أكد قادة الأحزاب المشكلة لفيدرالية اليسار، خلال ندوة حول موضوع “الوضع السياسي الراهن ومهام اليسار الديمقراطي” مبرمجة ضمن فعاليات الجامعة الصيفية التي تنظمها شبيبات فيدرالية اليسار بمخيم الوطني الحوزية، على عقد المؤتمر الاندماجي.
وأشار عبدالسلام العزيز، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، خلال تدخله في هذه الندوة، إلى عدم وجود اختلافات كبيرة أو عميقة بين قوى اليسار الديمقراطي بخصوص تشخيص الأوضاع الوطنية والدولية وكذا بخصوص الحلول والمقاربات للنضال من أجل التغيير وترجيح ميزان القوى لفائدة البناء الديمقراطي وترسيخ العدالة الاجتماعية.
وقال العزيز إن هناك 3 مؤشرات أساسية تطبع المشهد الوطني المغربي، أولاها يتعلق باستمرار الاستبداد وتغول الدولة وهيمنتها على مختلف المجالات وكذا سيطرة الهاجس الأمني الذي صار يتحكم في اتخاد العديد من القرارات،وذلك بسبب غياب او ضعف وجود قوى وسلط مضادة contre pouvoir.
أما ثاني المؤشرات فمرتبط، وفقه، باستشراء مظاهر الفساد بشكل مخيف وخطير، مشيرا في هذا الإطار إلى أزمة وضعف مجلس المنافسة في حماية مصالح المستهلكين، كما وقع بخصوص أسعار المحروقات حيث تراجع المجلس عن الذعائر والغرامات المفروضة على شركات المحروقات، وتم بالتالي إعفاء رئيسه السابق، كما وصف الرأي المقدم من طرف نفس المجلس بشأن أسعار الزيوت، بالمخالف للواقع، والذي كذبته التقارير المالية لإحدى شركات الزيوت والتي أعلنت فيه عن ارتفاع أرباحها بمقدار 5 مرات عن السنة الماضية، حسب قوله.
فيما يتعلق المؤشر الثالث، في نظر “العزيز”، بعدم احترام الشركات الكبرى للقوانين، حيث قدم في هذا الصدد نموذج الشركات المنخرطة في البورصة والتي ترفض الاعلان في تقاريريها السنوية عن حجم الارباح، مؤكدا في هذا السياق على أن الاقتصاد المغربي ليس اقتصادا تنافسيا مفتوحا كما تدعي الحكومة و اللوبيات المسيطرة على الاقتصاد الوطني.
وفي تحليله للأوضاع السياسية، أشار “العزيز” إلى أنه وفي ظل نظام “ملكية تنفيذية” و”اقتصاد احتكاري” لايمكن إرساء نظام ديمقراطي قائم على العدالة الاجتماعية والمنافسة الموضوعية. محذرا
من جانب آخر من خطورة ما وصفه بالاستبداد الأصولي الذي ينبغي على قوى اليسار مواجهته على الصعيد الثقافي والفكري، وذلك لكونه يساهم بشكل كبير في “تعطيل” الصراع والنضال من اجل التقدم والديمقراطية ،وذلك خلال من خلال نشره لأفكار “الخنوع والاستسلام في صفوف الفئات الشعبية.
أما عن الأوضاع الاجتماعية، فقد توقف عند مجموعة من المؤشرات حيث أشار الى احتلال المغرب مجددا لرتبة متأخرة في سلم التنمية البشرية(الرتبة 123)،كما تطرق الى مظاهر الإقصاء التي يعاني منها الشباب والنساء على مستوى التشغيل،حيق لاتتجاوز نسبة تشغيل النساء ٪17.
وبخصوص المهام المطروحة على أحزاب وقوى اليسار، أكد على ضرورة الاستمرار بشكل دؤوب في بناء الذات وتمكين الفئات الشعبية بأدوات الدفاع الذاتي من جمعيات ونقابات،والانفتاح على مختلف الشرائح الاجتماعية، وذلك في أفق تغيير موازين القوى وتحقيق التغيير المنشود، مشيرا إلى الدينامية التي تعرفها عملية التحضير للمؤتمر الاندماجي لأحزاب اليسار الذي سيعقد أيام 17،18،19 دجنبر 2022 بمركز بوزنيقة.
من جهته، نوه جمال براجع، الكاتب العام لحزب النهج العمالي، بالمبادرة الاندماجية لأحزاب الفيدرالية متمنيا لها النجاح والتوفيق في بلوغ مبتغاها ومعتبرا إياها خطوة مهمة في المسيرة النضالية للشعب المغربي.
وفي تشخيصه للأوضاع الدولية والوطنية، توقف “براجع” عند الأزمة المالية التي هزت العالم سنة 2008 والتي أثبتت عمق الازمة التي يعيشها النظام الرأسمالي والتي تعمقت مع جائحة كورونا والحرب الاوكرانية الروسية، حيث تعمل القوى “الامبريالية” على تصريف أزماتها على حساب الدول والشعوب الأخرى من خلال “ضرب” مكتسبات الطبقة العاملة و”احتكار” المواد الطاقية والأولية، مشيرا في نفس الوقت إلى عودة التعددية القطبية بمضمون جديد سيحد من الهيمنة الامريكية على العالم، ويمنح الدول الفقيرة حرية أكبر في اتخاذ القرار.
كما توقف “جمال براجع” عند انعكاسات الوضع الدولي على مختلف مناحي الحياة على الصعيد الوطني، حيث توقف عند الأزمة التي تعيشها مختلف القطاعات والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهكذا تطرق الى نسبة التضخم التي وصلت ٪7،5 وكذا نسبة النمو التي لم تتجاوز ٪1، هذا الى ارتفاع المديونية التي تستهلك اكثر من 92٪ من الناتج الداخلي الاحمالي،الامر الذي أدى الى استفحال وتفشي مظاهر الفقر في اوساط المجتمع المغربي.
أما على المستوى السياسي فقد أشار الى تنامي مظاهر الاستبداد و التضخم في أدوار وزارة الداخلية وتحكمها في القرارات السياسية والاقتصادية.
وفي حديثه عن مهام اليسار الديمقراطي، فقد أكد الكاتب العام لحزب النهج العمالي على ضرورة الارتباط بالجماهير الشعبية وابتعاد مناضلي اليسار عن الانعزالية والتشردم، والعمل بالتالي على ترسيخ قيم اليسار ونشر مبادئ الفكر الاشتراكي من خلال برنامج “حد أدنى” متفق بشأنه بين مختلف القوي اليسارية والديمقراطية.
أما محمد مجاهد، ممثل التيار الوحدوي احد المكونات الاساسية لفيدرالية اليسار، فقد ابتدأ مداخلته بالإشارة إلى الوضع الدولي المتسم بالحرب الأوكرانية الروسية، مدينا في نفس الوقت الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية وكذا الضغوطات الغربية على روسيا، محذرا من أن الازمة الحالية والصراع الامريكي الصيني يقع ضمن المنظومة الرأسمالية نفسها،فالصين نفسها هي قوة رأسمالية تسعى للهيمنة هي الأخرى والوضع بداخلها يتسم بخرق لحقوق الانسان وغياب للديمقراطية،مشيرا إلى أن الوضع الدولي يؤشر على نهاية العولمة بصيغتها القديمة و عودة الحرب الباردة،وفي حديثه عن الانتفاضات الشعبية أشار إلى أن أسبابها داخلية تتمثل في ارتفاع حجم الفساد والاستبداد،وعدم تجاوب الانظمة العربية مع المطالب المشروعة للشعوب،خاصة وأن المطالبة قد تمت في بطرق سلمية.
اما فيما يخص الاوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، فقد توقف محمد مجاهد عند “تغول” الدولة و”هيمنتها” على الشأن السياسي وسيطرة اللوبيات على مفاصل الاقتصاد الوطني، حيث تم “احتواء” أحزاب اليسار الحكومي و”إضعاف” التيار الأصولي وعودة الممارسات القديمة على مستوى “القمع وخنق” الاصوات المعارضة عبر المحاكمات التي وصفها بالصورية وطبخ الملفات، الأمر الذي أدى الى استشراء الفساد والاحتكار واستفحال الفوارق الطبقية والمجالية، الأمر الذي سيتنج عنه بالضرورة حدوث “انفجارات” اجتماعية وعدم استقرار الاوضاع.
أما عن المهام التي ينبغي على أحزاب وقوى اليسار النهوض بها، فقد أكد مجاهد على وجوب الاستمرار في تبني مطلب الملكية البرلمانية كحد أدنى لبناء دولة ديمقراطية.
من جانب آخر، شدد مجاهد على ضرورة اعادة قراءة الفكر الاشتراكي بمختلف مدارسه وتجاربه، ورفض أنصاف الحلول كما وقع لبعض أحزاب اليسار الحكومي، أما على المستوى التنظيمي فقد ركز على أهمية تغيير أساليب الاشتغال والتأطير والتواصل،مؤكدا على ضرورة الإبداع والابتكار في هذا الميدان، وتجنب إعادة إنتاج نفس الممارسات والأساليب التي أثرت سلبا على اليسار تنظيما وتدبيرا، والعمل بالتالي على تبني تصورات وميكانيزمات جديدة لبناء وتأهيل قوى اليسار،بعيدا عن الشخصنة والذاتية وغياب المحاسبة الرفاقية.
بينما أوضح علي بوطوالة، الكاتب الوطني لحزب الطليعة، بشأن المهام المطروحة على أحزاب اليسار، فقد شدد على ضرورة تصدرها لواجهة الصراع على كافة المستويات الحقوقية والنقابية والسياسية وذلك من أجل تغيير ميزان القوى لصالح القوى التقدمية والتمكن بالتالي من اقامة نظام ديمقراطي حقيقي.
وتحدث “بوطوالة”، في كلمة افتتح بها أشغال هذه الندوة، عن الأوضاع الدولية التي ترخي بظلالها على على الوضع الوطني وتؤثر فيه بشكل أو آخر، حيث أشار في هذا الصدد إلى التحولات الدولية المتجهة نحو عالم متعدد الاقطاب وظهور فاعلين جدد مثل الصين والهند، واحتدام الصراع والمنافسة على تملك الأسلحة والموارد الطاقية والمواد الأولية والاأسواق المالية، الأمر الذي سيحد نسبيا، بحسبه، من الهيمنة الامريكية وغيرها من القوى “الامبريالية”.
كما توقف “بوطوالة” عند الربيع العربي ومآلاته المختلفة التي أدت الى انهيار بعض الانظمة والدول العربية مثل ليبيا، في حين استطاع البعض منها الحفاظ على حد أدنى من الاستقلالية والسيادة كالمغرب، علما أن هذا الأخير، يضيف المتحدث، ظل مع ذلك يعاني من ارتهانه للمؤسسات المالية وعدم قدرته على توفير الامن الغذائي والطاقي واستمرار خضوعه للمخططات الهيمنية للقوى الغربية والامبريالية، الأمر الذي كانت له انعكاسات على أوضاعه السياسية والاجتماعية حيث صار الفساد نمطا للتدبير والتحكم في الخريطة السياسية والانتخابية، وتحولت بذلك مؤسسة البرلمان والحكومة الى مؤسسات صورية حيث ان القرارات الجوهرية تتخذ خارج هذه المؤسسات، على حد تعبيره.