عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع بالأردن، صدر كتاب ” الدياسبورا العربية، سرديات ما بعد الربيع العربي ” للناقد الأدبي الدكتور أسامة الصغير. يَقع الكتابُ في 120 صفحة من القطع المتوسِّط. علاوةً على المقدّمة العامة، والتمهيد النظري والمُلحَق، يقوم هذا الكتابُ على أربعةِ فصول، نَهَضَ كلُّ فصلٍ منها بنموذجٍ روائي تَمَّ عَرضُه عبر مُرْتَكَزَيْن، مع اعتمادِ خُلاصةٍ تركيبية لكل فصلٍ على حِدة، بينما ينتهي الكتاب بتركيب عام. وهو عبارة عن دراسةَ لنماذج من دياسبورا الرواية العربية في سياقِ ما بعد ” الربيع العربي ” من المَشرق وشمال إفريقيا، والخليج العربي. مع اعتمَاد مبدأَ التنويع في اختيار النماذج ما بين أسماءٍ مُكَرَّسَةٍ، وأصوات جديدة تُعَبِّرُ عن طاقةٍ روائية وفَنّية لجيلٍ إبداعي ارتبط ظُهورُه أكثرَ بهذا السياق التاريخي العربي والعالمي الانعطافي، وذلك تَكسيراً لنمطيةِ التركيز على الروائيين البارِزين مِمّنْ نالوا حَظًّا وَفِيراً ومُسْتَحَقاًّ من التناوُل والاهتمام.
من خلال فصول الكتاب الأربعة ومُرْتَكزاتِه الثمانية، تَبَيَّنَت عدمُ إمكانية تنميطِ سرديات الدياسبورا العربية المُعاصِرة في صنفٍ واحد، بالتالي يَخلُصُ الكتابُ إلى أربعةِ أصنافٍ يُمثِّلُ كلُّ فصلٍ صِنْفًا منها. وقفَ عند صنفِ الكتابة المُعَبِّرَةِ عن الدياسبورا الخَلاَّقة لدى مُثقَّف الحدود المُحايِد. وصنف الكتابة المُنْكَفِئة على الذات، والمُرْتَدّة عن الطِّباق الثقافي في الموقع التُّرجُمي الثالث. ثم صنفُ الكتابة المُرْتَحِلة بين الوعي الحضاري الخِلالي البَيني، وبين التماهي في البديل الثقافي أحادي الجانب. وأخيرا، وقفَ عند صنفِ كتابةِ الاقتلاع الهوياتي التام، والاستلاب في البراديغم الغربي. إن هذه البِنية الرُّباعية من وجهةِ نظر الكاتب، وكإحدى الخُلاصات المِحوَرِية، تتطابقُ بشكلٍ ديالكتيكي مع مَواقفِ وخطابِ بُلدان الاستقبال الغربية تجاه الوافد العربي، من خلال تعبيراتِ الأحزاب، المُنَظَّمات، الحكومات، الإعلام، المُثقّفين، وعُموم سُكّان بُلدان الإقامة الغربية.
بهذه الدراسة يُدرك الكاتبُ جيدًا جسامةَ التواجُد والحركة في المنطقة الخلالية، لأنها منطقةُ الابتلاع الثقافي، سيما في ظل الفجوَة الثقافية والحضارية الكبيرة، وما يَرتبط بها من وسائل الإنتاج والتوزيع . لذلك، فإن الدعوة إلى تَجاوُزِ الذات ليست دعوةً إلى الانفصال عن العناصر الثقافية وسيمياء الهوية، بل هي دعوةٌ لوَعْيِ المُنجَزِ الحضاري والثقافي الإنساني، والإيمان بالمصير التاريخي الذي يُوَحِّدُ الإنسان، وبالمنطقة التفاعُلية بعيدا عن براديغمات الاستلاب في النموذج الغربي، أو الانحياز الهوياتي للذات.
حين يَتعلّق الأمرُ بِرَاهِنِ الدياسبورا بعد مُضاعَفات ” الربيع العربي “، كسياقٍ تاريخي انعطافي، فإن الأمرَ مَدْعَاةٌ للعَجب والدهشة السلبية. فبينما اهْتَمَّ الأكاديميون الغربيون بهذا الإنتاج الأدبي من خلال عديدِ المؤتَمَرات الجامعية والحلَقات الدراسية والمقالات والترجمات، فإن الدرسَ الأكاديمي العربي لم يُولِ الأمرَ المُتابَعةَ القَمِينَةَ به، رغم اعتباره الظاهرةَ الثقافية الأكثر حضوراً وقوةً وتأثيرا في الذات العربية الراهنة، وما عَدَا بعض المقالات والندوات المَعزولة هنا وهناك، سيما على هامشِ مَعارِض الكِتاب، فالحاصِلُ خُلُوٌّ. سَعْياً إلى الإسهام في تقليصِ هذا الخَصَاصِ المهول بمُحاولةٍ فرديةٍ نِسبية تأتي الدراسةُ الراهنة.