يعيش العالم في ظل جملة من المتغيرات الجديدة التي أصبحت تؤثر سلبا على مستويين الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الخاصة به، مستجدات تتعلق في منعها بالأمن الصحي، الغذائي والطاقي على وجه الخصوص، وذلك بالتزامن مع تصاعد المواجهات غير المباشرة بين كبريات الاقتصاديات العالمية، أمر يرجعوا إلى عهد توازن القوى.
تعرف المنظومة الدولية المعاصرة تسابقا منقطع النظير نحو احتلال مركزي الصدارة والريادة، أمر ينعكس على بعثرة أوراق الاستقرار التنموي وخاصة على مستوى دول الجنوب، التي وجدت نفسها مضطرة إلى أداء فاتورة هذا الصراع المحموم حول إثبات الزعامة الدولية، ويتعلق الأمر في هذا الباب بالارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة والمواد الغذائية، ولعل جزءا عريضا من دول الجنوب لازال يحاول تدبير إسقاطات هذا المتغير الصعب على مستوياتها الداخلية، غير أن الأمر لا يمكن أن يستمر على هذه الشاكلة وذلك اعتبارا من ضعف إمكانياتها التي لا يمكن أن تصمد طويلا أمام رياح هذه الأزمة الدولية الخانقة.
عرف العالم أزمات عدة استطاع التغلب عليها بفعل قصر مدتها ، غير أن الأمر يختلف هذه المرة، وذلك انطلاقا من أن المنتظم الدولي لازال يحارب جائحة كورونا التي لازالت تكلفه أموالا طائلة ، وأن هذا الأخير لن يتمكن بسهولة من رملة جماح تسابق عمالقة الدول نحو إثبات الذات ومن ثمة التحكم في مسارات القرار الدولي.
إن عنوان هذه المرحلة يحيلنا إلى زمن الحرب الباردة ، ما يتطلب معه إعداد سياسة بريسترويكا حقيقية تأخذ على عاتقها إلزامية الرجوع إلى طاولة النقاش بين كل مكونات دول العالم، ولما لا تنظيم الملتقى العالمي للسلم والسلام والأمن القومي، ما سيمكن لا محالة من التناظر بصوت مرتفع بين دول الشمال والجنوب حول مختلف القضايا التي تؤثر على استثباب الأمن وخاصة فيما يتعلق بالغذاء والطاقة وكذا التغيرات المناخية المقترنة باستئساد أزمة العطش والمجاعة دوليا.
لعله حان الوقت لكي تلعب كل المنظمات الدولية الحكومية من جهة وغير الحكومية من جهة أخرى، أدوارها الإستراتيجية وذلك بهدف إعادة الاعتبار لقراراتها الكفيلة بتكييف النظام العالمي الجديد ومتطلبات التنمية في شقيها المستدام والممكن.
*أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط