*المصطفى كليتي*
الصورة النمطية ـ المكرسة ـ للمرأة تبرزها التمثلات المغرقة في السلبية والتي تنعث المرأة بالدونية ، ويعزى ذلك لمضمرات الخلفية الذهنية والعقلية الغميسة في المنطق الذكوري المتشدد ، والذي يرى في المرأة كل نقيصة وعيب ، وعليها دوما أن تخضع لسلطة وجبروت الرجولة والفحولة، وتتجلى هذه الصور السائدة في شتى المظاهر الإجتماعية ، ولعل من أبلغ الأمثلة والنماذج التي نسوقها في هذا المجال وقد نحثتها السينما المصرية والمسلسل خاصة ، شخصة ” سي السيد ” المتحكم والمتعجرف ، يبدو الرجل متدينا يتصف بالجلال والوقار علنا ، بيد أنه مبتذل ماجن مارق نزاع لمقارعة كؤوس الخمر وملاحقة نساء آخر الليل أنسا وطربا سرا ، عقلية لا تجد في المرأة إلا وعاء إنجاب ومتعة لحظة مارقة، وكل همه أن تطيعه المرأة وتقوم على خدمته طوال بياض النهار وزلفا من الليل ، بدون أن يكون لها رأي أوموقف أو صوت يفصح عن شجونها وقضاياها .
الأعراف والتقاليد الموروثة جيل بعد جيل ، جعلت الولد سهمه بسهمين وحضوره مضاعف مرتين في الحياة العامة والخاصة ، وتظل البنت كامرأة رهينة البيت من خلال الكثير من المؤشرات الدالة ، فالعروسة والدمية للبنت ، والبندقية والمسدس للولد ، ويزيد الطين بلة ما تأصله المدرسة لهذه الصورة ، حيث يعمد الكتاب المدرسي تعميق الفارق عبر تداول صور تصاحب مسار تعليم وتربية التلميذ والتلميذة ، الرجل يقرأ الجريدة والمرأة في المطبخ ، سعيد في المدرسة وسعاد تكنس وتنظف !
الحكايات والأمثال تلصق بالمرأة تهم الشروالمكر والدسائس ومقارنتها بالأبالسة والشياطين !
المدونات التراثية سواء في الأدب الرسمي العالم أو الأدب الشعبي تزخر بقصص وحكايات ومقالب تروى وتجسدها المرأة من خلال ممارستها للكيد والدسائس ، ولعل أبرز مثال على ذلك ، مرويات ” ألف ليلة وليلة ” وهي تلفق المحكيات مؤجلة موتها المحتوم ، تقص القصص لكي تعيش ، فشهريار الذي خانته زوجته مع خادمها يتوعد كل امرأة يعاشرها ليلة بالموت ، فكانت شهرزاد استثاء وهي تدري مصير موتها بقص حكاية كل ليلة .
لا ريب بأن السينما أكثر الفنون السبعة في التأثير على المتلقي ، وموضوعة صورة المرأة في السينما العربية عموما والمغربية على وجه التحديد ، تتطلب الرصد والبحث الدقيق ، وسط مجتمع تسوده وتهيمن عليه سلطة الذكورة ، باسم الأعراف والتقاليد من جانب ومن جانب آخر واجب مرعاة الدين والأخلاق والأصول المتواضع عليها .
ويبقى السؤال الملحاح عن مساحة الحرية ، التي يمكن يتحرك فيها المخرج أو المخرجة ، ليعبر عن حقيقة رأيه ، دون أن يجبر على رقابة ما ، وإن لم يكن محاصرا برقابة ذاتية يعاني منها الأمرين !
السينما ذات الأهداف التجارية الصرفة ، أضرت بالمرأة وشوهتها ، وجعلت منها مجرد جسد يسلع ، فجسد المرأة إثارة مطوق بالفتنة والإغراء ، أثناء عرض الوصلات الإشهارية أو أفلام درامية كل اهتمام ينصب على إبراز جسد المرأة كمتعة للفرجة والتسلية .
حضور المرأة في العديد من النماذج السينمائية ينحصر في التوظيف المبتذل والنمطي للجسد ، فالصورة المغرية تستجيب لمتطلبات السينمائية ، فالهاجس الربحي التجاري يكون وراء دافعية المعالجة السينمائية التي تتغيا الجسد كقطب جذب.
السينما المغربية ، أفرزت تجارب مختلفة ومتباينة ومتفاوتة في مقاربتها للواقع ، فمنها التجاري السطحي الفج الباحث لهثا عن الربح والشهرة المجانية البراقة كشريط ” الزين لفيك ” لنبيل عيوش وفيها الشريط الطليعي السامي فنيا وجماليا متعفف عن الإسفاف أو ترضية المتلقي بتنازلات فنية تحت يفطة ” الجمهور عايز كده ” ، أفلام تجتهد لتقديم الأجود والأحسن وبخاصة ما يعرض خلال الملتقيات والمهرجانات وأنشطة الأندية السينمائية أساسا ، وأسوق على سبيل المثال لا الحصر ” عرائس من قصب ” و” شاطىء الأطفال الضائعين ” للجلالي فرحاتي و” حب في الدار البيضاء ” لعبد القادر لقطع ، و” نساء ونساء ” و ” عطش ” لسعد الشرايبي و ” العيون الجافة ” لسعد الشرايبي و” المنسيون ” لحسن بنجلون و” وداعا كارمن ” لمحمد أمين العمراوي و” جوق العمين ” لمحمد مفتكر وشريط ” باديس ” لعبد الرحمان التازي و” كيد النسا ” لفريدة بليزيد .
لابد من السعي فنيا وجماليا ورؤيويا على تحسين وتجويد الصورة التي تبرز المرأة وتجعلها فاعلا حقيقيا يؤسس للعلاقات البناءة داخل نسيج المجتمع المغربي ، ولا أن تظل مجرد تكريس لمزالق الصور النمطية وما يتبعها من أثار وأضرار سلبية فالمساواة والمناصفة ـ الحقة ـ لا تتحقق إلا بالإبداع الحر السليم ، المعزز بمقاربات علمية ونفسية وسوسيولوجية وقانونية حتى ، مما ميز الفيلم المصري ” أريد حلا ” قصة : حسن شاه سيناريو وإخراج : سعيد مرزوق ،بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة ، يعد الشريط علامة وظاهرة في الفيلم العربي ، تسبب عمليا في إعادة النظر في الحقوق يكفلها قانون الأحوال الشخصية ، تناول موضوعا حساسا متعلق بمشكل طلاق المرأة واستحالة العيش مع زوجها وهو يرفض عدم تطليقها ، فيلم أثار قضية كبرى في المجتمع فاستدعى تغيير القوانين وهذه ذروة تأثير العمل الفني حيث يكون فاعلا ودافعا لتغير مجريات قانونية سائدة .
ومازلت الخزانة السينمائية المغربية تفتقر إلى مزيد من الأفلام التي تعكس المرأة الإيجابية القوية بطموحها وقدراتها على البذل والعطاء ، فمعظم الأفلام تطرقت للمرأة الخاضعة الخنوع ، ونحن في أمس الحاجة لرؤية صورة المرأة المتحدية القوية الصلبة القادرة على صنع البدائل بكدها وكدحها وبخاصة المرأة البدوية القروية التي تكاد أن تكون غائبة وعديمة الحضور في السينما المغربية …