في محاضرة حول “الأسرة بين المنظومة الإسلامية والمنظومة الغربية”، المنظمة من طرف جمعية حركة التوحيد والإصلاح المغربية، ليلة أمس، بالمقر المركزي للحركة بالرباط ، أكد رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني، أن أي مقترح خلال التمهيد لتعديل مدونة الأسرة، في شق الحريات الفردية، يجب أن يرتكز على “تيسير الحلال والتضييق على الحرام”.
ودعا إلى جعل مبدأ “لا أحلّل حراما ولا أحرّم حراما”، الوارد في خطاب الملك محمد السادس الذي دعا فيه إلى تعديل مدونة الأسرة، أساسا لهذا التعديل.
كما انتقد العثماني مطالب الجمعيات الحقوقية التي تدعو إلى رفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية في القانون الجنائي، مقابل المطالبة بإلغاء تزويج القاصرين في مدونة الأسرة.
وقال: “التركيز على منع زواج القاصرين، من جهة، وإباحة العلاقات الرضائية، من جهة أخرى، معناه فتح الباب أمام القاصرين لممارسة الجنس خارج إطار الزواج، وهذا مناقض تماما لقاعدة تيسير الحلال والتضييق على التي هي الأساس الذي بُنيت عليه مدونة الأسرة.”
قال العثماني إن هناك مفارقة بين المنظومتين الإسلامية والغربية في التعامل مع الأسرة يصل إلى حد التناقض”، مضيفا أن ذلك يتجلى على ثلاثة مستويات الأول المرجعية، والثاني العلاقات الجنسية بين تجارة المتعة ورعاية العفة، والثالث مكانة الأسرة، داعيا إلى ضبط المرجعية التي ينطلق منها تعديل مدونة الأسرة.
و أكد العثماني أن المنظومة الإسلامية تنطلق من الوحي الذي يضع الضوابط الشرعية، ويبين الحلال والحرام، علاوة على تأطير الأسرة بسياج العفة مع الإعلاء من شأن الأمومة وإعطاء أهمية لرعاية الأبناء في الأسرة، قائلا إن “العفة هي أعلى قيمة من القيم الأسرية”.
وأوضح العثماني أنه في المقابل تختزل الحضارة الغربية الإنسان في أبعاده البشرية الصرفة، وتلغي كل بعد علوي كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف روني كينو، وخلص إليه المفكر روجي جارودي، مؤكدا أن الانحراف بدأ منذ القطيعة الأولى مع الوحي وإنهاء المرجعية العلوية، مشيرا إلى أن الأمر أفضى إلى سيطرة الفردانية.
وأضاف العثماني أن الإنسان المعاصر فقد في العموم المعيار الراسخ والأصول الثابتة لحركته الاجتماعية والتشريعية، وسقط في النسبية المطلقة، وغدا يتخبط في أدوية الاضطراب وعدم الاستقرار، مشددا على أنه بدون وحي يصبح المجتمع بدون ضوابط ولا قواعد وبدون منطق وفوق رمال متحركة، مضيفا أن روني كينو خلص إلى أن الحضارة المعاصرة شذوذ في تاريخ البشرية بانفلاتها من الوحي.
وعدد المحاضر مجموعة من القضايا التي انفل فيها الغرب من أي قيود أو ضوابط أو قيم مرجعية مثل الحرية الجنسية، والمساكنة، وأسرة مثليي الجنس، وحرية اختيار الجنس، والجنس مع الحيوان، واستئجار الأرحام، وبنوك المني، متسائلا إلى أين سينتهي هذا الأمر في مسار الحركة الاجتماعية للإنسان؟
وفي ما يخص العلاقات الجنسية، أكد العثماني أن المنظومة الإسلامية تنطلق من العفة كأعلى قيمة من القيم الأسرية، مضيفا أن الله تعالى حرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج واعتبرها فاحشة، موضحا أن الإسلام جعل الزوجية قاعدة كونية قبل أن يتحدث عنها كقاعدة إنسانية، علاوة على إعلاء من شأن الأمومة وإعطاء أهمية لرعاية الأبناء في الأسرة.
ورأى العثماني أن الممارسة الجنسية في الغرب دخلت في الفضاء الخاص للإنسان وليس للمجتمع الحق في تقييدها أو ضبطها، قائلا “أضحى التوجه نحو الفردانية والإباحية أيديولوجية وتوجهات تفرض على العالم”، مضيفا أن هناك عقوبات تفرض على الدول غير الخاضعة لتلك الإديولوجية.
ودعا العثماني إلى ضرورة ضبط المرجعية التي ننطلق فيها في تعديل مدونة الأسرة، مشددا على أن الأساس هو تحريم الحرام وتحليل الحلال، موضحا أن كل تعديل يجب أن يتجه في اتجاه تيسير الحلال والتضييق على الحرام، عبر تيسير الزواج وتيسير بناء الأسر، مستغربا من السعي إلى التشديد في زواج القاصر مع تيسير العلاقات الجنسية الرضائية في تناقض صارخ.
وأكد العثماني أنه قبل الحديث عن الأسرة يجب إدراك تهديد وجودي متربص بها، ممثلا لذلك ببطء الزواج وتنامي ارتفاع معدلات الطلاق بوتيرة عالية، ووجود عوامل نفسية تسبب في الطلاق لأتفه الأسباب، قائلا “إذا أردنا البناء يجب تكريس قيمة العفة”، مشددا على ضرورة أن تعمل القوانين على تيسير الحلال والتضييق على الحرام، معتبرا ذلك أهم قاعدة لتعديل مدونة الأسرة.
ومثل العثماني لمفارقة بين المرجعيتين الإسلامية والغربية تتمثل في قضية الإجهاض، موضحا أنه هناك فرقا بين القول بمنح المرأة حق الإجهاض بشكل مطلق، وبين القول إن الإجهاض حرام ولكن هناك استثناءات، موضحا أن هذا القول الأخير وإن اتفق جزئيا مع المنظومة الغربية إلا أنه داخل المرجعية الإسلامية التي للدين فيها رخص وعزائم وواجبات واستثناءات.