بقلم: *د.إبراهيم ابراش*
يتخوف كثيرون من أن الحكومة الصهيونية المتطرفة بزعامة نتنياهو وزمرته تعمل على حسم وإنهاء الصراع في وعلى فلسطين وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية، ومع اعترافنا بقوة الخصم إلا أن حسم وانهاء الصراع ليس قرارا إسرائيليا خالصا، نعم يمكن إنهاء الصراع مع دول وأنظمة عربية وإسلامية ولكن القضية والمسألة الفلسطينية تخص الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى وإن لم يستسلم الفلسطينيون ويرفعون الراية البيضاء، وهذا لم يحدث، فسيستمر الصراع حتى وإن كان بثمن أكثر فداحة.
خلال الأشهر الأخيرة تأكدت حقائق لا يمكن لعاقل تجاهلها ستحدد مستقبل الصراع وطبيعته وهي:
الحقيقة الأولى: أنه لا يمكن التوصل لأية تسوية سياسية مع الحكومة الصهيونية اليمينية والفاشية حتى على مستوى الالتزام بالاتفاقات الموقعة، أوسلو ولواحقها، كما أن توجهات وممارسات الحكومة الحالية تُنذر بنكبة جديدة تتجاوز مشاريع توسيع الاستيطان إلى ارتكاب مجازر جماعية وعمليات تهجير قسرية للفلسطينيين وإلغاء الدور الوظيفي الوطني للسلطة الفلسطينية.
الحقيقة الثانية: أن الشعب الفلسطيني لم يتنازل عن حقوقه الوطنية المشروعة وعنده الاستعداد لمقاومة الاحتلال بما هو ممكن ومتاح حتى وإن اقتصر الأمر على عمليات فدائية فردية.
الحقيقة الثالثة: بالرغم من التنديد الواسع للإرهاب الصهيوني كما جرى مع جرائم المستوطنين والجيش في حوارة إلا أنه لا يبدو في الأفق أي توجهات دولية جادة للضغط على إسرائيل لتتراجع عن ممارساتها كما لا يوجد أي تحرك لتفعيل عملية السلام.
الحقيقة الرابعة: تأكد أن الصراع هو بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني وسقوط أي مراهنة على الأمتين العربية والإسلامية كأنظمة وأحزاب ومنظمات إقليمية، حيث لمسنا ردود فعل دولية رافضة لجرائم الاحتلال أكثر من ردود الفعل العربية والإسلامية.
الحقيقة الخامسة: تأكد عدم قدرة بنية النظام السياسي الفلسطيني بمرجعيتيه وسلطتيه في غزة والضفة في الارتقاء لمستوى ما يجري حيث لم نسمع عن تفعيل حوارات المصالحة أو اجتماعات قيادية شاملة وبالتالي غياب أية استراتيجية أو رؤية وطنية لمواجهة ما تتعرض له القضية والشعب من مخاطر
الحقيقة السادسة: مهما كان بأس العمليات الفدائية وشرعيتها وما تلاقيه من تأييد وتعاطف شعبي إلا أن قدرتها لوحدها على تحرير فلسطين أو حتى إنهاء احتلال الضفة والقدس أمر شبه مستحيل.
الحقيقة السابعة: مع تأييدنا للعمل الدبلوماسي وتحركات القيادة الفلسطينية دوليا في الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات إلا أنه من العبث المراهنة أن تُعيد لنا الأمم المتحدة حقوقنا الوطنية أو تُجبر العدو الصهيوني على الانسحاب من الأراضي المحتلة،
الحقيقة الثامنة: التحدي الرئيسي الذي يواجه القيادة والسلطة الوطنية في الضفة راهنا هو كيف يمكن وقف اعتداءات المستوطنين والحفاظ على وجود السلطة ودورها الوطني ودفع إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات الموقعة.
الحقيقة التاسعة: هدف حركة حماس وبعض فصائل المقاومة في غزة في الوقت الراهن الحفاظ على السلطة القائمة و استمرار التهدئة على حدود القطاع، مع محاولة توتير الوضع الأمني في الضفة من خلال مواجهة الاحتلال والسلطة الفلسطينية معا.
الحقيقة العاشرة: حتى مع وجود الحكومة الأكثر تطرفا وعنصرية ووجود وضع دولي وعربي عاجز إن لم يكن متواطئ أحيانا، فلا يمكن لهذه الحكومة أن تحسم الصراع كما يتخوف البعض ليس لأنها لا تريد ذلك بل لأن حسم الصراع نهائيا لا يكون بقرار إسرائيلي بل يجب وجود موافقة فلسطينية أو إعلان الاستسلام وهذا لم يحدث لا رسميا ولا شعبيا، مع التذكير أن العدو لم يحسم الصراع لصالحه عندما حدثت النكبة عام 48 ولم يحسم الصراع بعد حرب حزيران 67 واحتلاله بقية فلسطين وأراضي عربية أخرى.
انطلاقا مما سبق وبغض النظر عما ستؤول اليه الخلافات داخل دولة الكيان العنصري حيث كل الحكومات الصهيونية معادية للشعب الفلسطيني والخلافات الداخلية عندهم لها علاقة بالصراع على السلطة وترتيب نظامهم السياسي وليس على علاقتهم مع الفلسطينيين وأي حكومة قادمة ستبني على ما أنجزته سابقاتها ولن تتراجع عنه، وبغض النظر عما سيطرأ على المحيط العربي والدولي من تطورات حيث بدأ صراعنا مع المشروع الصهيوني في عهد عصبة الأمم قبل قيام منظمة الأمم المتحدة، وناضل الفلسطينيون ضد العصابات الصهيونية والاحتلال البريطاني قبل تأسيس جامعة الدول العربية وقبل أن تتواجد على الخارطة السياسية أغلب الدول العربية الحالية، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة خلال الحربين العالميتين وخلال الحرب الباردة وما بعدها، واستمر صمود ونضال الشعب الفلسطيني في زمن المد القومي العربي واستمر حتى بعد انهياره، وكان موجودا قبل فوضى الربيع العربي والمد الأصولي وما زال مستمرا بعدهم، والفلسطينيون مستمرون في نضالهم منذ ما قبل التطبيع وما قبل ما يسمى السلام الابراهيمي وسيستمرون.
الصراع مع العدو لن يتوقف سواء استمرت الحكومة الصهيونية الحالية أم تغيرت. صحيح من المفيد استغلال الخلافات داخل معسكر الخصم ولكن دون كثير من الأوهام بأن انهيار الحكومة الحالية سيكون بالضرورة لمصلحة الفلسطينيين وما على هؤلاء الأخيرين إلا تعميق التناقضات داخل الجمهور الإسرائيلي وانتظار النتائج.
لكل ومع كل ما سبق فإن المعادلة التي تحدد شكل الصراع وطبيعته وأدواته مستقبلا وامكانية حسمه وانهائه لا يضعها أو يتحكم العدو فقط ولا المشاريع والمعادلات الإقليمية بل القرار النهائي بيد الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق الأصليين، والعالم ينتظر منهم انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط رئيس لتمتين وتمكين فعالية القرار الفلسطيني في معادلة الصراع.
*أستاذ بجامعة الأزهر بغزة