بقلم: *عبد الواحد بلقصري*
(أهدي هذا المقال إلى ابني الغالي
سامي بمناسبة عيد ميلاده
حفظك الله ورعاك ووفقك وانعم عليك بالصحة والعافية)
لا يمكن لأية دولة او حكومة مهما كانت امكاناتها المادية والبشرية، ومواردها الاقتصادية من تلبية المطالب التي يتقدم بها مواطنوها، او معالجة جميع مشاكلهم مرةً واحدة، انما يتطلب ذلك العمل بنظام الصفوف او الطوابير، أي تقديم الاهم على المهم من المشاكل والقضايا، وفقاً لجدول الاسبقيات السياسية، الذي يعد بهدف تلبية هذه المطالب، وحل المشكلات الواحدة بعد الاخرى بحسب اهميتها او درجة الحاحها، او قوة الفئة او المجموعة التي تتأثر بها او بنتائجها.*1*
يختلف ترتيب الاولويات حسب برامج الاحزاب وايديولوجياتها، فالأحزاب ذات التوجه الاشتراكي مثلا ترتب المسألة الاجتماعية على رأس أولوياتها، أما الاحزاب الليبرالية فتهتم بالمسألة الاقتصادية وتجعل الأوضاع الاجتماعية ناتجا لتحسن المؤشرات الاقتصادية. كذلك تساهم عدة عوامل أخرى في التأثير على أولويات السياسات العمومية كالمحيط الجهوي والتحديات الإقليمية التي تواجهها الدول.
إجهاض تجربة التخطيط الاقتصادي التي جاء بها وزير المالية المرحوم بوعبيد، عاش المغرب نوعا من التخبط في صنع المخططات الاقتصادية، فبعد فشل الرهان الكلي على القطاع الفلاحي، تم التفكير في إقامة قاعدة صناعية وطنية صلبة، واصطدم هذا الحلم بنقص في التمويل وبعزوف الرأسمال الوطني عن الاستثمار في القطاع الصناعي.*2*
كما تميز صنع السياسة العمومية بالتفكير في القطاعات الاقتصادية دون ربطها بالقطاعات الاجتماعية، وهو ما جعل الفاعل السياسي يخلط بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية المنشودة، فكل هم الفاعل السياسي انصب حول كيفية رفع المؤشرات الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية دونما الالتفات إلى البيئة الغريبة التي أنبتت فيها هذه الوحدات الإنتاجية والتي تشكو الفقر والأمية وانعدام البنيات التحتية ومحدودية الطلب الداخلي وهو ما آل بالمشروع التنموي برمته إلى الفشل.
في الفترة الانتقالية التي عاشها المغرب بعد مجيء حكومة التناوب، أصبح الفاعل السياسي يستورد مخططات وموديلات لصنع السياسات العمومية، وأصبح الفاعل السياسي يعتمد على البرامج المندمجة التي تصبو التأثير في المجال الاقتصادي والاجتماعي، كما تشبع الفاعل السياسي بآليات جديدة لصنع السياسات العمومية او للتأثير في صياغتها كالمناظرات القطاعية والبرامج القطاعية التي تنتج عنها.
كما بدأت ثقافة المقاربة التشاركية في صنع السياسة العمومية تظهر في بلادنا، وأصبح بإمكان المجتمع المدني أن يكون طرفا في صياغة واقتراح السياسة العمومية، بل إن دستور 2011 أعطى للمجتمع المدني القدرة على تقييمها وتتبعها، لكن مستوى الفاعل السياسي لم يواكب هذه التحولات الماكرو سياسية التي تعرفها بلادنا، وظلت الأحزاب شاردة عن النص، لا هي واكبت تطور الترسانة القانونية، ولا هي أجابت عن مختلف الأسئلة المطروحة حول السياسات العمومية والتي تهم الارتقاء بالسياسات القطاعية التي تعرف قصورا كبيرا في المرور من التصور وترجمته على أرض الواقع، أو تنزيل دور المؤسسة التشريعية التي أصبحت مطالبة بتقييم هذه السياسات العامة، ثم كذلك وضع وصياغة سياسات أكثر إقناعا وأكثر واقعية واحترافية من تلك البرامج التي لا ترقى لدرجة السياسات العمومية المندمجة والتي بإمكانها رفع تحديات بلادنا في العشرية القادمة.*3*
*باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
المراجع والهوامش :
1- عبد الله شنفار، الفاعلون المحليون والسياسات العامة المحلية، مرجع سابق، ص 11- 12- 13.
2- جيمس اندرسون صنع السياسات العامة، مرجع سابق
3- الهمادي رضا: السياسات العمومية بالمغرب، مميزاتها وطرق صياغتها، مجلة المرصد الوطني للسياسات العمومية.