*صوت الماء مرايا لعروق الأرض الحية، صوت الماء هو الحرية، صوت الماء هو الإنسانية*
محمود درويش
———————————————————–
تزخر الميتولوجيا الأمازيغية المغاربية بأساطير شعبية وطقوس خاصة ومتميزة ، ومنها مايتعلق بالماء والخصوبة ، والإرتباط بالطبيعة بصفة عامة، وكانت دورة الحياة متساوقة مع الفصول الأربعة : خريف وشتاء وربيع وصيف ، وتندرج شخصية ” أنزار ” الأسطورية وهو إله مطر، في تمثلات الإنسان القديم للماء وجدواه، فقد عشق فتاة فتزوجها فأثمرت العلاقة صبيب غيث ، اسم ” أنزار ” يرمز للنماء والعطاء : كما يرمز للخصوبة والرواء .
النساء كن يخرجن طلبا للغيث ، عندما يشتد القيظ في غير موسمه المعهود ، وهناك طقس لازال مستمرا مخترقا الزمان والمكان سائدا في جل المناطق المغربية إلى يومنا المعلوم ، تزين مغرفـــة كبيرة على شكل عروس تعلق بعصا أوقصبة ، وكانت في السابق توضع في قدر مصنوع من مادة طينية ، ويطاف بها وسط حلقة موكب احتفالي مرديدين أهازيج ، تدعو ” أنزار ” إلى العمل على إنزال المطر حتى يغاث الناس والنبات والحيوان وتتواصل الحياة.
وتذكر الأسطورة ، إن تمنع فتاة جميلة على “أنزار” أثار غضبه ، فأمسك مطره ، مما حول الأراضي التي كانت معشوبة إلى أرض قفراء ، فغاضت مياه الأحواض والأنهار ، ومع ذلك لم يستسلم ” أنزار ” لصدود معشوقته وعدها بالبرق الساطع أكثرمن النجوم ،يبرز في الأفق وبتقسيم عادل للماء للأراضي الجرداء ، وبعد أن أوفى بوعده ، استسلمت المرأة لما رأت السهول اخضرت والجبال كسيت والأرض ازدانت وتبهجت ، قررت المعشوقة أن تسلم نفسها لأنزار بشكل مفاجىء ، فحرك ” سيد الماء ” خاتما في أصبعه ، فشع ومض بارق جذب الفتاة إلى السماء ليشكلا معا علامة فرح كبرى ، تمثلت في قوس قزح ، تجلى بألوانه البهية في الأعالي ، تلبدت السماء بالغيوم ، فهطلت الأمطار ، وعاد صوت الماء يسمع في كل الأرجاء ، فصارت الأرض بساطا أخضر ، وغنى الطير ، وتراقصت الأشجار ، وتفتحت الورود والأزهار ، وبعد ذلك تحولت الأسطورة ـ وبصيغ مختلفة ـ إلى عرف وتقليد توارثته الآجيال .
وهو مايسمى ب” تغنجا ” أو ” تلغنجا ” ، وقبل حلول الأديان السماوية ، كانت حفلات منطقة شمال إفريقيا الإجتماعية متناغمة مع دورة الفصول .
وراهنئذ نعيش صيف ممتدا ، قحطت الأرض وجف الزرع والضرع وغاضت الوديان والبحيرات وتشققت الأرض العطشى طلبا لغيث السماء ، تحول عميق أضر بالطبيعة وبإيقاع مسارهاالمعتاد والمألوف ، نجم عن كل ذلك خلل مؤثر على النظام البيئي ، خلف ذلك تكبد خسائر إقتصادية فادحةعلى أكثر من صعيد ، فالقحط أو الجدب أو احتباس الماء وشح الموارد المائية ، حيث تقل أو تنعدم الأمطار ولا تصل إلى المعدلات الطبيعية ، وقد عرف المغرب في مراحل تاريخية متفاوتة حالات جفاف متباينة وهو في الأصل بلد جاف، فمرة تفور وطــورا تغوركما يقال .
حدة الجفاف لها عدة عواقب ـ كما نشهد في واقعنا ـ ارتفاع الأسعار ، بما في ذلك أثمنة الأعلاف وما يصاحبه من ارتفاع الخضر والفواكه و سومة اللحوم الحمراء ، فهجرات جماعية من القرى إلى المدن ، تضعضع ـ شبه عام ـ في المنتوج الزراعي ، كما أن ارتفاع الحرارة ، له انعكاسات سلبية عل البيئة ، فترتفع معدلات نسبة التبخر مع عجز التربة على تخزين المياه ، في حين يبدأ التصحر في التهام المناطق الزراعية ، وتصاب الآبار والعيون و الفرشات المائية بالنضوب.
الماء عصب الحياة ، وقال تعالى : ” وجعلنا من الماء كل شيء حي “الأنبياء /30 ، والماء عنصر حيوي ، وبدون ماء لا تدور عجلة الحياة ،وقال تعالى أيضا ” هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسمون “النحل / 10، ويتكون أكثر من ثلتي جسم الإنسان من الماء ، على حد قول جبران خليل جبران ” إنما الناس سطور لكن كتبت بماء ” ،” وورد في سورة الفرقان 54″ وهوالذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ” كما أن الماء يغطي أزيد من نصف مساحة الكرة الأرضية .
والناس شركاء في الماء ، وكثير من الدراسات تؤكد أن الصراع من أجل الماء ، سيكون مدار حروب شعواء سيشهدها العالم مستقبلا، يكون الخصاص المائي محل نزاعات ، وتشهده أكثر من منطقة في العالم نزاعات حول استغلال الماء ومياه النيل الذي يخترق مصر والسودان وأثيوبيا بالإضافة إلى بلدان الجوار، أبرز مثال يذكرفي هذا الصدد ، ولا يتوقف النزاع على الموارد الطبيعية فحسب بل يمتد حتى للأنهار الصناعية المستنزفة لثروة المائية .
الأرض عطشي لحبات الغيث ، والكل يتطلع للسماء عسى أن تجود برحمة ماء وقد أنشد بدر شاكر السياب في قصيدته أنشودة المطر :
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة تــــوردت على فــم وليــــد
في عالم الغد الفتى اهب الحياة
مطر …
مطر…
مطر …
جديد
أو حلمة توردت على فم
الوليد
ويهطل المطر
مطر .. مطر . مطر ..
وكم كانت نشوتنا كبرى ونحن صغار نفتح الفم ونتلمض حبات القطر المالحة ونحن نردد : آشتا تا تا تا تا
آوليدات الحراثة
آصبي صبي صبي
آلمعلم بــــوزكـــري
طيب لي خبزي بكري
باش نعشي وليـــــداتي (…)
بينما نحن نشدو ونلهو يرتفع الدعاء في المساجد والزوايا بدعاء الإستسقاء :
” اللهم اسقي عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت ”
” اللهم صيبا نافعا يارب “
من نحن
المساء 24 موقع إلكتروني إخباري مستقل بطاقم صحفي وإداري عالي التكوين يلتزم بالصحافة المجتمعية ويسعى إلى إحداث الفارق عما هو موجود .
خطه التحريري يتميز بالشفافية والدقة والموضوعية، ويؤمن بالرأي والرأي الآخر، يتلمس هموم المواطن ويعالج قضاياه من زوايامختصين وأخصائيين وخبراء .
المساء 24 يطرح الإشكالات ويبحث عن حلول لها، كما يحلل الواقع ويسعى للإجابة عنه .
يراقب الشأن العام المحلي والوطني ومسؤوليه، وهو بذلك صوت المجتمع، وفضاء إعلامي مفتوح للجميع، نحو الكلمة والرأي بكل مصداقية وبمحتوى جاد وراق .
المساء 24 النافذة الكبرى على أخبار مدن وجماعات هذا الوطن، ستبقى وفية لخطها التحريري المستقل والمحايد والمؤمن بالقيم العليا للوطن وشعبه، والمؤمن بالتغيير والعمل المسؤول في احترام تام لأخلاقيات المهنة والعمل الصحافي الحر .
طاقم الموقع الإلكتروني الإخباري المساء 24 سينقل لكم الحقائق والوقائع والمعلومات دون تحجيم أو تضخيم وبكل موضوعية ومهنية بعيدا عن الطعن في الأشخاص والمؤسسات والتشهير بها .
تفتح المساء 24 الإلكترونية صفحاتها لكل المواطنين ومن مختلف الاتجاهات والمناطق للتعبير عن آرائهم وانشغالاتهم، وستكون مستجيبة ومنصتة ومتفاعلة في الآن نفسه مع كل آهاته وانتظاراته أينما كان .