*محمد الخوى*
الهوليغانز : هي ظاهرة كروية عالمية مشينة، ممقوتة ، مرفوضة، مدانة ومستهجنة تطفو على السطح بين الفينة والأخرى ولو على فترات متباعدة، تندلع وتقع أحداثها وتتطاير شرارة لهيبها في هذا الملعب أو ذاك في عدد من القارات، سواء كان ذلك في إطار مباراة من مباريات الدوري المحلي، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة جدا ليس آخرها ما حدث نهاية الأسبوع الماضي عندما قتل 174 متفرجا بإندونيسيا بسبب التزاحم والدهس نتيجة هزيمة الفريق المحلي ضد الفريق والغريم المنافس…أو في دوري قاري للأندية ، كما حدث في ملعب” هيزل” ببلجيكا سنة 1985 قبل وبعد المباراة النهائية لكأس أوروبا للفرق البطلة آنذاك بين فريقي ليفربول وجوفنتوس، والتي تسبب فيها أنصار الفريق الإنجليزي، وكان من نتائجها مقتل 39 مشجعا، غالبيتهم العظمى من الجمهور الإيطالي، و أدت إلى تعليق مشاركة الأندية الإنجليزية في مختلف المسابقات الأوروبية لمدة خمس سنوات… أو في إطار المنافسات القارية كتعرض المنتخب الوطني المغربي ، على سبيل المثال، للتنكيل بملعب كينشاسا بالزايير خلال إقصائيات كأس العالم لسنة 1974 التي أقيمت أطوارها النهائية بألمانيا الغربية، أو كما حصل حديثا جدا مع لاعبي المنتخب الوطني المغربي لأقل من سبعة عشرة سنة بمدينة وهران بالجزائر في المباراة النهائية التي جمعته بمنتخب البلد المنظم، والتي تم فيها الضرب والرفس و التنكيل بالعناصر الوطنية هناك تحت أنظار ومسمع و بتواطؤ و بإيعاز حتى من “المسؤولين الأشقاء” بهذا البلد الجار…أو كان ذلك في إطار منافسة أولمبية عالمية عندما هاجم الجمهور البيروفي جمهور الأرجنتين بطوكيو خلال الألعاب الأولمبية التي أقيمت باليابان سنة 1964 وقتل جراء هذه الأحداث اللارياضية 327 فردا…
أعمال الشغب والفوضى والهمجية و”الهوليغانز” تنتج عنها مآسي اجتماعية واقتصادية ونفسية حادة، وتحدث شرخا كبيرا ليس فقط بين شعوب العالم التي تقع بينها هاته الأحداث المؤلمة، ولكن أيضا حتى داخل المجتمع الواحد بين جمهور هذا الفريق و ذاك، وتتطلب وقتا طويلا للملمة الجراح، ولتجاوز ولنسيان نتائجها السلبية التي تكون قد أرخت بظلالها الحزينة على كل من كان ضحيتها من قريب أو من بعيد.
وأعتقد أن هاته الأحداث الحزينة لا علاقة لها بدين أو بعقيدة شعب من الشعوب، أو بين دين وعقيدة شعب وآخر، أو أن هذا مسلم أو ذمي وذاك كافر أو لاديني ؛ فالكل يكتوي بنار “الهوليغانز” وكيفما كان دينه وعقيدته، بدليل أن هذا “الهوليغانز” يقع ضمن دائرة و خريطة البلد الواحد ، في إطار دوري محلي أي ضمن سيادة البلد الواحد وبين أفراد شعب واحد يجمع بينهم شعار وعلم و دستور واحد ومؤسسات دستورية واحدة… و بين جمهورين ينتميان لعقيدة واحدة ولقارة واحدة متجاورين أو متباعدين، جمهوري الناديين الإيطالي والإنجليزي أو جمهوري المنتخبين البيروفي والأرجنتيني…
أحداث الشغب والفوضى والبلطجية والإجرام و”الهوليغانز” يكون من ورائها في الغالب صناع الإيديولوجيات السياسية الفاشيستية التي تجنح للعنف دائما، لأنه يشكل الرئة التي تتنفس منها وتتغذى منه من أجل استمرار حياة مؤسساتها، فهي تعي و تدرك جيدا بأنها تشعل نارها و تزيد في صب الزيت عليها لتظل مشتعلة و متقدة من أجل استعمالها كلما دعت الضرورة لذلك بما يخدم مصالح الطغمة العسكرية والفاشيستية واليمين المتطرف بكل تلويناته وتصفية حساباتها هي و أحقادها التاريخية ولو على حساب السلامة الجسدية و أرواح الناس، وهي تفعل ذلك أيضا من أجل توجيه وتحويل أنظار مواطنيها عما يقع لهم بسبب الاختيارات السياسية للحاكمين بها، بدعوى وبزعم الحمية والنزعة الوطنية وحب الوطن، كما كان الشأن مع الماريشال “موبوتو سيسي سيكو”، أو مع الديكتاتوريات العسكرية بأمريكا الجنوبية، مثلا أو مع النظام العسكري الفاشيستي الجزائري الذي لم يعر أي اهتمام للجوار وللأخوة وللعقيدة وللدين وللغة وللتاريخ المشترك، أو كما قرأناه عن ديكتاتوريات “موسوليني”، و”هتلر” و”فرانكو” وقصص حول الأدوار النهائية لكأس العالم انذاك أو على مستوى الدوريات المحلية على سبيل المثال لا الحصر..
يجب على هذه الأنظمة و الدكتاتوريات الفاشيستية التي تكون وراء الأفعال الإجرامية كيفما كان حجمها و التي تلحق الضرر بالغير و الناتجة عن هذا “الهوليغانز” أن تتحمل مسؤولياتها كاملة وألا تبقى في منأى عن أي إدانة ومتابعة دوليتين..
كما أن هذا “الهوليغانز” يجد لنفسه دوافعه ومسبباته ومبرراته هو في الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية الهشة و المتأزمة التي يعيشها من يلجأ لممارسة هذا الفعل “الهوليغانزي” الإجرامي، والمترتبة أساسا في الإحساس بالحكرة وبالظلم الإجتماعي والإقتصادي نتيجة الاستغلال البشع الذي تمارسه الرأسمالية المتوحشة ونتيجة للسياسات الحكومية الغير ديمقراطية والغير شعبية التي تكتوي بها اغلبية الشعوب وتئن تحث وطأتها…
ورغم ذلك، ف”الهوليغانز” هو فعل وعمل اجرامي مرفوض ومدان ويجب التصدي له بكل حزم و قوة، سواء تعلق الأمر بالمقاربة الأمنية وبالمقاربة القانونية وبالمقاربة التوعوية والتوجيهية، فهناك أرواح بريئة في أي مكان تواجدت تذهب ضحية هذا العنف وهذه الهمجية غير المبررة. فهناك طرق ووسائل احتجاجية سلمية ينظمها قانون البلد ويضمنها دستورها كفيلة لوحدها بإحقاق الحقوق وتبيان الواجبات.