بقلم: *ذ. محمد جناي*
تزايدت الحاجة إلى تقييم الأداء في المنظمات المعاصرة على اختلاف أنواعها بسبب تغير الأوضاع والظروف التي فرضتها التطورات في المعارف والعلوم ، وحداثة التكنولوجيا المتجددة، فإن كفاءة العناصر المستخدمة في أداء هذه المنظمات تضعف أمام تحديات الوسائل الحديثة ، الذي يلزم إدارة المنظمات بمتابعة التطورات والتكيف معها، لإحداث التطوير المستمر في مدخلاتها، وتحسين عملياتها ومخرجاتها لتحقيق الميزة التنافسية ، وهذا يجعل أداء المنظمات يتمثل في قدرتها على تحقيق النتائج التي تتطابق مع الخطط والأهداف المرسومة بالاستغلال الأمثل للموارد الموضوعة تحت تصرفها.
كل هذا جعل تقييم الأداء ذا أهمية كبيرة بالنسبة لأي منظمة ، من خلال استخدامه للحكم على كفاءة أداء المنظمة في استغلال الموارد وتحقيق الأهداف التي أقيمت من أحلها المنظمة ، وعليه يجب أن يكون نظام التقييم شاملا لكل نشاطات وجوانب المنظمة ويتضمن مجموعة من المقاييس والمؤشرات المالية وغير المالية.
وتعد بطاقة الأداء المتوازن إحدى الأساليب الإدارية المعاصرة التي قدمها كل من Kaplan & Norton مفهوما جديدا للإدارة الاستراتيجية ، إذ يقدم هذا النموذج حلا شاملا للضعف والغموض في الأساليب الإدارية التقليدية التي تركز على جوانب أحادية في الأداء المالي ، إذ أضافت أبعاد أخرى تحول الاستراتيجية إلى أفعال ونتائج ملموسة تربط الأهداف والوسائل والمقاييس بمستويات الأداء المطلوبة والبرامج والمبادرات بالخطة الاستراتيجية.
تعود فكرة بطاقة الأداء المتوازن لعام 1987 عندما تحدث عنها كل من Johnson & Kaplan بعنوان Relevant Loss ، حيث ظهر هذا المدخل كاتجاه رئيسي لمواجهة الانتقادات التي وجهت للموازنة التقليدية وتقييم الأداء ، حيث دعت الضرورة إلى تطوير منهجية الموازنة من خلال الإدارة على أساس التكلفة، أما الانتقاد الآخر فهو استجابة مدخل قياس الأداء المتوازن لاستخدام عناصر أخرى في قياس الأنشطة بجانب المقاييس المالية.
تعود فكرة بطاقة الأداء المتوازن لعام 1987 عندما تحدث عنها كل من Johnson & Kaplan بعنوان Relevant Loss ، حيث ظهر هذا المدخل كاتجاه رئيسي لمواجهة الانتقادات التي وجهت للموازنة التقليدية وتقييم الأداء ، حيث دعت الضرورة إلى تطوير منهجية الموازنة من خلال الإدارة على أساس التكلفة، أما الانتقاد الآخر فهو استجابة مدخل قياس الأداء المتوازن لاستخدام عناصر أخرى في قياس الأنشطة بجانب المقاييس المالية.
وقد تم تطبيق بطاقة قياس الأداء المتوازن لأول مرة كمفهوم لقياس الأداء في المؤسسات عن طريق Kaplan and Norton عام 1992 في مجلة Harvard Bussiness Review ، وقد كان الهدف من تقديم هذا النموذج هو التغلب على القصور الذي يرافق استخدام المقاييس المالية ، حيث تركز المقاييس المالية على الأداء المالي فقط ، ويعتبر هذا ثغرة في تقييم الأداء.
ونموذج بطاقة الأداء المتوازن يعتبر من أهم نماذج قياس الأداء التي ابتكرت في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، والتي أصبحت من أفضل النماذج المتعددة الأبعاد والأوسع انتشارا، لعدم اقتصارها في تقويم الأداء على المقاييس المالية التقليدية التي اقتصرت على النتائج المالية دون النظر إلى العوامل الداخلية والخارجية ( كالعاملين، والتدريب ، والعملاء )، بل أصبح التوجه نحو تقويم الأداء الاستراتيجي باعتبار أن الأداء المالي هو أحد الأبعاد ، إلى جانب أبعاد أخرى مثل العملاء ، والعمليات التشغيلية ، والتعلم والنمو ، والتي تتسم بسهولة تتبعها وربطها بإستراتيجية المنشأة .
وقد عرف كل من كابلان وأتكنسون بطاقة الأداء المتوازن على أنها : ” أداة تتم بواسطتها ترجمة رسالة الشركة واستراتيجيتها إلى أهداف ومقاييس تقوم على أربع ركائز أبعاد أساسية ، وهي : الأداء المالي ، ورضا العملاء ، وكفاءة الأداء التشغيلي، والفرص التي توفرها الشركة للعاملين فيها للتعلم والنمو” ، وبذلك يصبح التنافس بين الشركات قائما على أساس ما يتوافر فيها من روح المبادرة ، والقدرة على الإبداع والابتكار ، أكثر مما هو على أساس ما لديها من أصول ثابتة وملموسة.
وفي تعريف آخر لكابلان ونورتون ، بأن : ” بطاقة الأداء المتوازن إطار عملي يستخدم كمدخل لتحسين الأداء الحالي والمستقبلي وذلك من خلال دراسة عدد من المقاييس ضمن المحاور الأربعة لبطاقة الأداء المتوازن : المالي ، والعملاء ، والعمليات الداخلية ، والتعلم والنمو” ، كما يمكن تعريف بطاقة الأداء المتوازن بأنها : ” أداة من أدوات استراتجيات إدارة الأداء في أربع محاور رئيسية وهي: التعلم والنمو، العمليات الداخلية، رضا العملاء، الشؤون المالية”.
فتتضمن بطاقة الأداء المتوازن أربعة أبعاد هي البعد المالي ، وبعد الزبائن في مؤسسات القطاع الخاص، والمواطن في مؤسسات القطاع العام ، وبعد العمليات الداخلية ، وبعد التعليم والنمو، مع إضافة بعد خامس وهو بعد البيئة والمجتمع ،- لمساعدة المنشأة على التقييم المتوازن لأنشطتها البيئية والاجتماعية ، مما ينعكس بالإيجاب على قدرتها التنافسية- ،فاختلفت الأهمية النسبية لكل بعد من هذه الأبعاد ، ففي المؤسسات الهادفة للربح أعطت هذه المؤسسات البعد المالي أهمية كبيرة مقارنة ببقية الأبعاد، أما في المؤسسات العامة غير الهادفة للربح فقد أعطت البعد المالي الأهمية الأقل.
وتعتبر بطاقة الأداء المتوازن إذن منهجية رقابية استراتيجية تستخدم إطارا متعدد الأبعاد لوصف وتنفيذ الاستراتيجية في جميع إدارات المؤسسة ، كما يهدف هذا المدخل إلى إدخال بطاقة الأداء المتوازن لتحسين أوضاع المؤسسة والارتقاء بها وتحقيق أداء عال المستوى في الجانبين المالي وغير المالي، وفي الجانب الداخلي والخارجي.
من هنا نبعت بطاقة فكرة اعتماد أكثر من مدخل إداري يحقق التوازن في قياس الأداء مع مراعاة العديد من الاعتبارات مثل المقاييس المالية وغير المالية ، ولهذا تم الحديث عن بطاقة الأداء كأسلوب من أساليب تقييم الأداء، والتي تنبع أهميتها من خلال النقاط التالية :
أولا : توجه بطاقة الأداء المتوازن الشركات والمؤسسات إلى التركيز على تحقيق الرسالة بعد أن كان الاهتمام منصبا على البعد المالي فقط.
ثانيا : الربط بين الخطة السنوية قصيرة الأجل وبين الاستراتيجيات طويلة الأجل.
ثالثا: تحقيق فهم إداري أعمق لأوجه الترابط بين تنفيذ القرارات والأهداف الاستراتيجية المحددة.
رابعا: تعتبر بطاقة الأداء المتوازن أداة من أدوات الاستراتيجية، تنتهي بتحقيق الأهداف والغايات المطلوبة.
خامسا : يمكن تطبيق بطاقة الأداء المتوازن على جميع المستويات الإدارية ، مما يعطي فرصة التعلم الاستراتيجي، وتحديد أولويات كل مستوى إداري، مما يوفر أداة اتصال توضح الأهداف الاستراتيجية لجميع العاملين في المؤسسة.
سادسا : توفر بطاقة الأداء المتوازن بين القياس والتقويم، حيث إن الأمور التي يصعب قياسها ماليا يمكن أن يكون لها أثر كبير في استمرار المؤسسة أو فشلها.
سابعا: توفر بطاقة الأداء المتوازن طريقا منظمة تربط رؤية المؤسسة المستقبلية بمواردها المادية والبشرية ، لتحقيق استثمار أمثل لتلك الموارد.
ثامنا : توفر بطاقة الأداء المتوازن معلومات كافية لمتخذ القرار ، وتقلل من مشكلة المعلومات الزائدة عن الحاجة ، والتي قد تؤدي لإرباك متخذ القرار.
تاسعا : تقدم بطاقة الأداء المتوازن نظاما شاملا لترجمة الأهداف الاستراتيجية إلى مجموعة متكاملة من المقاييس التي تنعكس في صورة مقاييس أداء إستراتيجية.
عاشرا : تشبع بطاقة الأداء المتوازن العديد من الاحتياجات الإدارية، حيث يشمل التقرير الواحد العديد من الأجزاء التي قد يظن البعض أنها متباعدة، مثل تلبية احتياجات الزبائن، وتخفيض زمن الوفاء ، وتخفيض الزمن اللازم لإدخال منتجات وخدمات جديدة.
وأخيرا: يحمي نظام قياس الأداء المتوازن المؤسسة من حدوث مثالية جزئية، لأنه يجعل المدراء يأخذون في اعتبارهم كل المقاييس التشغيلية الضرورية ، وبالتالي يكون المدير قادرا على تحديد ما إذا كان التحسين في مقياس معين يكون على حساب المقاييس الأخرى.
والخلاصة، هي أن بطاقة الأداء المتوازن كنظام إداري يهدف إلى مساعدة المؤسسة على ترجمة رؤيتها، واستراتيجياتها إلى مجموعة من الأهداف ، والقياسات المترابطة، وذلك من خلال الاعتماد على بطاقة الأداء المتوازن، ولذا يدرك متخذي القرارات أنه من الضروري توفر أساليب وأدوات إدارية حديثة وفعالة تمكنها من تقييم أدائها بكفاءة وفاعلية لتحقيق الميزة التنافسية والاحتفاظ بها، ومن هذه الأساليب والأدوات الإدارية الحديثة بطاقة الأداء المتوازن التي أصبحت أفضل الأساليب المتعددة الأبعاد والأوسع انتشارا على المستوى العالمي، كما أنها تجاوزت النظرة التقليدية للأداء التي تركز على المؤشرات المالية وبدأت في التعامل مع المؤشرات غير المالية التي تحقق مصالح كافة الأطراف ذوي العلاقة بالمنظمة.
* ذ. محمد جناي ، إطار إداري ( متصرف تربوي) بالمديرية الإقليمية القنيطرة .
هوامش
(1): د. كامل أحمد أبو ماضي ، كتاب بطاقة الأداء المتوازن كأداة تقييم لأداء المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ، مكتبة نيسان للطباعة والتوزيع ، 2018.
(2): إجازة الرسالة بعنوان :” تكاملية بطاقة الأداء المتوازن وإدارة الجودة الشاملة وأثرها في تحقيق الميزة التنافسية في الشركات الصناعية في محافظة الخليل ، إعداد : ثورة عزات أبو مارية ، الموسم الدراسي 2018/2017.
(3):دور أبعاد بطاقة الأداء المتوازن (BSC) في كفاءة وفاعلية الأداء الاستراتيجي للبنوك التجارية في اليمن (دراسة ميدانية ) ، رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال ، عمار أمين أحمد سعيد الموسم الدراسي 2018/2019.