بقلم: *أمين سامي
تتميز برامج عمل الجماعات بكونها برامج واقعية ومحددة في الزمان والمكان والتكلفة وقابلة للقياس وفق مؤشرات موضوعية وذكية smart، ولكن ما نشهده اليوم في مختلف برامج عمل الجماعات أنها تفتقر للمصداقية وضعف كبيرين على مستوى الإعداد والمنهحية المتبعة، فبرامج العمل هي عبارة عن خطط إستراتيجية واضحة المعالم والرؤى محددة في المجالات الاستراتيجية والأهداف والبرامج والمشاريع بدقة، وتتم عملية القياس وفق مؤشرات الأداء الرئيسية في مختلف المجالات.
إن جماعة القنيطرة كغيرها من الجماعات التي اعتمدت منهجية واضحة في عملية إعداد برنامج عمل الجماعة موظفة منهجية swot لإعداد المخطط رغم أن هذه الأخيرة متجاوزة بشكل كبير في مجال التخطيط الاستراتيجي فهي منهجية قديمة تعود لمدرسة التصميم والتي تم تصميمها سنة 1937، وهي تنتمي إلى المدارس المعيارية المنشغلة بمعايير تصميم الاستراتيجيات أو تخطيطها أو التموقع في السوق. في مقابل المدارس الوصفية التي تستهدف فهم الكيفية التي تتكون بها الاستراتيجية واقعيا بدلا عن وضع معايير قبلية لها.
إن عملية تصميم المخطط الاستراتيجي أو الاستراتيجية حسب مدرسة التصميم تقتضي البحث عن أفضل معادلة بين نقط القوة ونقط الضعف الداخلية والفرص والمخاطر الخارجية، ويستخدم تحليل swot كإطار للتفكير والتشخيص الاستراتيجيين، إلا أنه من عيوب هذه المدرسة أنها فصلت مرحلة التصميم عن مرحلة التنفيذ وتجاهلت مساهمة الفاعلين والتطورات الإضافية والاستراتيجية الصاعدة وتأثير البنية الموجودة على الاستراتيجية.
إن اليوم أصبح الانفتاح على المنهجيات الجديدة في مجال التخطيط الاستراتيجي DCA، POTI، MOST، BSC،… أمر مصيري لمواجهة التقلبات والأزمات العالمية، فالمقاربة التحليلية التي اعتمدت في برنامج عمل الجماعة متجاوزة لأنها ركزت على البحث على أفضل المعادلة بين نقاط القوة ونقاط الضعف الداخلية والفرص والمخاطر الخارجية متجاهلة الفاعلين والنسق واستراتيجيات الدولة في كل قطاع على حدا، فبالنظر للتحديات المستقبلية التي ستواجهنا منها تحدي تكنولوجيات القطيعة، والأمن المائي، والطاقي والغذائي، وتحدي السرعة والتعقيد والاندماج في سلاسل القيمة العالمية، كلها تحديات جديدة تفرض علينا إعادة النظر في المنهجية المعتمدة فنحن في مرحلة تعرف تعقيدا وتداخلا وترابطا في كل المجالات فالتعليم يصب في الفلاحة و الصحة في الاقتصاد والثقافة في الصناعة وغيرها كثير …، هذه الأخيرة تفرض علينا اعتماد مقاربة نظمية أو نسقية وتحليل تفاعلات العناصر مع بعضها البعض بدل تحليل المكونات.
إن المنظور النسقي والمدرسة النسقية هي الأساس في مثل هكذا عمليات لان المجال معقد وليس بسيط فالظواهر والمجالات ثلاث : بسيطة و مركبة و معقدة، فنحن اليوم أمام مجال معقد لاهو بالمركب ولا هو بالبسيط، وبالتالي فتحليل النسق وتفاعلات النسق ومراقبة حركية النسق المجتمعي بمختلف أبعاده هو الحل الأنسب وهو ما افتقده برنامج عمل جماعة القنيطرة.
إن منطقة القنيطرة تتميز بمكانة إستراتيجية مهمة جدا تجعل منها القطب الصناعي الأكثر إنتاجا في المغرب نظرا لجميع المؤشرات والظروف التي تجعل من المنطقة في مصاف المدن الدولية مستقبلا، فهي تعرف نموا سريعا في مختلف المجالات وخاصة صناعة الخدمات فالقنيطرة اليوم قادرة على أن تصبح مدينة ذكية و مستدامة وتنافسية على المستوى الوطني والدولي، إلا أنه اليوم من أجل تحقيق هذه الرؤية الاستراتيجية يجب العمل على ثلاث مراحل أساسية وهي :
١. المرحلة الأولى وتضم الست السنوات المقبلة 2022/2027 حيث تشمل تقوية في البنية التحتية لمدينة القنيطرة وتعزيز إندماجها في محيطها الإقليمي والجهوي بشكل تصبح فيه مدينة القنيطرة منطقة جذب للسكان و المستثمرين.
٢. المرحلة الثانية وهي مابين 10 سنوات و15 سنة حيث تصبح مدينة القنيطرة مركز ثقل centre de gravité يربط بين الجهات الكبرى للمملكة، (جهة طنجة،تطوان،الحسيمة، جهة فاس مكناس، ثم أخيرا جهة الدارالبيضاء سطات) من خلال مشاريع إستراتيجية مهيكلة مثل : خلق منطقة حرة وصناعية للصناعة الغذائية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني وأيضا الدائري، إنشاء منطقة للبحث والابتكار والتحول الرقمي لمواكبة الصناعة الجديدة 4.0 وتختص هذه الأخيرة في الطاقة، البيئة، الأمن الغذائي، الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، علوم الصحة، الحوسبة الكمومية، التخزين السحابي، الأمن السيبراني،… وكل ما يتعلق بالثورة الصناعية الرابعة.
إنشاء منطقة لوجستيكية أو الميناء الجاف لتقديم الخدمات اللوجستيكية للمنطقة الحرة الأطلنتية ومنطقة البحث والابتكار والتحول الرقمي و المنطقة الصناعية والحرة للصناعة الغذائية و الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تطوير مداخل المدينة والعمل على تعزيز التنقل خارج المدارات الحضرية مما يسهل حركة السير والجولان وأيضا يساهم في تثمين الأراضي وجعلها ذات جاذبية للاستثمار وتطوير مناطق حضرية جديدة ومستدامة،…
٣. ثم أخيرا المرحلة الثالثة وهي 20 سنة فما فوق حيث تتمثل في جعل القنيطرة مدينة ذكية ومستدامة وتنافسية على المستوى الوطني والدولي. حيث خلال هذه الفترة يجب العمل على تعزيز وتقوية بنية النقل من خلال ارساء شبكة الطرامواي وربطها بالمنطقة الحرة والمناطق الصناعية، العمل على إنشاء قطب مالي بالقنيطرة يربط بين القطب المالي الرئيسي للدارالبيضاء والمشروع المستقبلي الواعد tanger tech الذي دشنه جلالة الملك نصره الله، ربط المناطق الصناعية بالميناء الاطلنتي الكبير للغرب وتعزيز وتقوية الترابط بين الجهات الثلاث بمدينة القنيطرة، تقوية الميناء النهري للقنيطرة من خلال إطلاق النقل النهري والبحري بين القنيطرة و الرباط وأيضا النقل بين القنيطرة والحسيمة(مارتشيكا) مرورا بالعرائش، أصيلا، طنجة ،تطوان … مما يسهم في خلق الثروة في المناطق المتوسطة وتطوير المناطق الصغيرة وإنشاء منتجعات سياحية وترفيهية تلبي احتياجات المستثمرين والساكنة،…
إن التحديات الهيكلية التي تعرفها مدينة القنيطرة اليوم تعوق تقدمها ونموها خاصة أنها تفتقر لرؤية واضحة وصريحة، فمشاكل السير والجولان والإنارة العمومية و تدبير النفايات الصلبة بمختلف أشكالها، ضف على ذلك مشاكل الإكتظاظ السكاني بسبب وجود المنطقة الحرة الأطلنتية في بورحمة لأنها أصبحت منطقة جذب للعديد من الوافدين الراغبين في العمل وغيرها…كثير كلها عوامل ساهمت وستساهم في تعقد التنمية وتحسين جودة الخدمات للمواطن الذي يجب أن يكون في صلب التنمية بالأساس.
إن غياب إستراتيجية واضحة المعالم للتدبير وعدم توظيف التكنولوجيا في حل العديد من الإشكالات سيزيد الطين بلة ويساهم في تردي مستوى الخدمات المقدمة، إن الهدف اليوم وغدا ليس هو تلبية حاجات المواطن بل هو التلبية السريعة لحاجات المواطنين وخلق القيمة المضافة في الخدمات والأماكن العمومية لتصبح عناصر جذب للسكان والزائرين وتحسين مناخ الأعمال لجذب العديد من الاستثمارات أو خلق الاستثمارات المحلية، فتقوية الاقتصاد المحلي وتنميته سيساهم في رفع الدخل الفردي للمواطن المحلي بصفة خاصة، كما أن تحسين مناخ الأعمال سيخلق فرص عديدة للاستثمارات وتقليص نسب البطالة على المستوى المحلي والرفع في مستوى التشغيل خاصة أن القنيطرة تعرف مركب جامعي ومعاهد دراسات عليا في الاقتصاد والكيمياء و الهندسة و… وبالتالي الاستفادة من اليد العاملة المؤهلة والكفأة في مختلف المجالات.
*خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير