منذ أكثر من 3 عقود ، يعمل المغرب على تعزيز “دبلوماسية رمضان” كقوة ناعمة، تسهم في تحسين وتقوية علاقاته بالدول الأوروبية، والأهم دعم جاليته بالخارج، التي تزيد عن 5 ملايين نسمة، بحسب إحصاءات رسمية.
وخلال رمضان، ترسل الرباط أئمة وخطباء إلى دول أخرى، وتنظم الدروس “الحسنية” بمشاركة واسعة من علماء من حول العالم وبحضور الملك محمد السادس، كما تستقطب الزوايا الصوفية منتسبيها من عدة دول.
ومنتصف مارس الجاري، أعلن المغرب، إرسال 144 إماما وأستاذا جامعيا، إلى 9 دول أجنبية، للمشاركة في الفعاليات الرمضانية للجالية المغربية والمسلمين بتلك الدول، وفق بيان لمؤسسة “الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج”.
وتشرف مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج (حكومية)، على إرسال البعثات المغربية، ضمن “البرنامج الرمضاني للتوعية الدينية”، المستمر منذ العام 1992.
وأوضح البيان، أن “البعثة تضم مقرئين مكلفين بصلاة التراويح، وأساتذة جامعيين، بهدف مشاركة أفراد الجالية أجواء رمضان، في ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا والسويد وسويسرا والنرويج وكندا والولايات المتحدة”.
من جهته، قال الباحث المغربي المتخصص في الشأن الديني عبدالحكيم أبو اللوز، إنه من الممكن “اعتبار المبادرات الرسمية للمغرب في رمضان، مثل إرسال أئمة، بمثابة أذرع ناعمة”.
وأضاف أبو اللوز، للأناضول، أن “المغرب يعلن أن الهدف من هذه الفعاليات، هو تأطير (تعليم) الجالية، ولكن العديد من الدول الأوروبية بدأت تكون هي بنفسها الأئمة داخل ترابها”.
وأوضح أن المغرب في ذلك “ينافس السعودية من جهة، ومصر من خلال الأزهر من جهة ثانية”، لافتا إلى أن “التجربتين الأخيرتين أقوى وأشد على مستوى الإشعاع الديني”.
وفيما يتعلق بالمسابقات القرآنية، قال أبو اللوز، إنها “تتم عبر مبادرات شخصية أو عبر جمعيات غير حكومية، ولتقييم نجاعة السياسة المغربية في هذا المجال، يتطلب الأمر بحثا كبيرا، ومعرفة طبيعة هذه السياسة”.
ثاني وسائل الدبلوماسية الرمضانية، تظهر في حرص المغرب على تنظيم محاضرات تعرف باسم “الدروس الحسنية”، منذ أكثر من نصف قرن، عبر استضافة علماء وفقهاء من حول العالم، لمناقشة قضايا الدين ومشاكل الأمة.
وتمثل “الدروس الحسنية”، التي سُميت بهذا الاسم نسبة إلى الملك الراحل الحسن الثاني، بحسب مفكرين مغربيين، “سُنة” مغربية تشكل نافذة للتواصل مع علماء الأمة، وفرصة للطبقة الحاكمة للتكوين الديني والشرعي.
وأطلق الملك الراحل الحسن الثاني هذه الدروس، عام 1963، وحافظ عليها الملك محمد السادس، وتقام في القصر الملكي بالعاصمة الرباط، وأحيانا تقام في مدن أخرى.
“الدروس الحسنية” تتميز أيضا بأنها فتحت أبوابها أمام كبار العلماء، باختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية، سنية أو شيعية، كما فتحت الباب أيضا أمام مشايخ الصوفية.
لذا فقد اعتلى منبرها علماء وشيوخ مثل أبو الأعلى المودودي (الهند)، محمد متولي الشعراوي ويوسف القرضاوي (مصر)، محمد سعيد البوطي (سوريا)، أحمد الريسوني (المغرب)، والزعيم الشيعي موسى الصدر (لبنان).
وعند حضور الملك محمد السادس، وبعد أن يلقي تحيته على الضيوف، يتقدم أحد العلماء لإلقاء درسه أمامه في مدة تتراوح بين 50 و60 دقيقة، وينقل هذا الدرس عبر أثير الإذاعة والتلفزيون مباشرة.
آخر وسائل الدبلوماسية الرمضانية في المغرب هي الزوايا الصوفية، التي تعمل على تنظيم فعاليات مختلفة، كمجالس الذكر، والجلسات، التي تجتذب أتباع الطوائف المختلفة داخل المغرب وخارجه.
أبرز الفعاليات، تنظمها الطريقة البودشيشية (أكبر طريقة صوفية في البلاد)، والطريقة التيجانية، وهو ما يعرف حضور العديد من منتسبيها من عدد من البلدان.
وحتى اليوم، ما زالت الزاوية “التيجانية” بالمغرب، تحافظ على روابطها التاريخية مع بلدان إفريقيا، إضافة للدور التاريخي الذي تلعبه “فاس”، كعاصمة دينية وعلمية، يتوافد عليها الأفارقة للتتلمذ على يد علمائها.
وينتهج المغرب منذ عقود، سياسة الاهتمام بالزوايا الصوفية، لتماشي منهج تلك الزوايا مع توجهات الرباط، التي ترى في الزوايا الصوفية حاضنة شعبية للآلاف من المواطنين.
وكالة الأناضول