أخطأ الرئيس التونسي في حق المغرب، دولة ومجتمعا وكادت الإدانة أن تشكل إجماعا وطنيا أفرادا ومؤسسات ضد هذا السلوك الذي وضع العلاقات المغربية -التونسية على المحك وفي وضع مبهم ينذر بالأسوء إذا لم تبادر الديبلوماسية التونسية، كما عودتنا إلى لملمة الموضوع.
في هذا السياق ، ألم نخطئ نحن كنخب فكرية وسياسية في حق موروثنا المشترك : الأحزاب، والصحافة ، والمنظمات الحقوقية، والنقابات ، والمجتمع المدني من خلال إخراس الأصوات ، وتضييق مساحة الرأي الآخر ، وإغراق الساحة الثقافية والسياسية بإنشاء تنظيمات موالية إلى هذه الجهة أو تلك في ظل صراع طاحن على المصالح أو مقدرات الوطن في حين أنه يمكن ان نغير الصراع الطبقي بالتوافق الطبقي خصوصا إذا نظرنا إلى المغرب من زاوية إمارة المؤمنين ،أخذا بعين الاعتبار ما نملك من رصيد غني من نظم وأساليب الحكم ، هذا الرصيد الذي يصطلح عليه بالمخزن هو ما يخيف فرنسا على الدوام من أن يسترجع عنفوانه وقوته.
إن النخب المغربية الصامتة ترى أن الدولة في الآونة الأخيرة تمادت شيئا ما في فرض تقييدات باعثة على القلق ، همت التجمعات العامة وحرية الرأي ،بالإضافة الى تنامي القوة المفرطة إزاء الحركات الاحتجاجية المرتبطة بتبني سياسيات غير اجتماعية والتي ولدت الإحساس بالظلم إزاء الفوارق الصارخة على مستوى العيش وتوزيع الثروات .
صحيح أننا الآن بصدد إعادة النظر في مفهوم التنمية وهو آلية لتقوية الجبهة الداخلية ، ولكن ألا ترون أن الخيار النيوليبرالي يتناقض مع مصالح العدالة الاجتماعية…؟
العدالة الاجتماعية ،يا سادة ، هي القاعدة التي تبنى عليها جبهة داخلية موحدة وقوية من خلال إعادة النظر في الاشكال القائمة للعمل السياسي والتفكير في خلق اشكال جديدة، فلا تنتظروا من شباب اليوم أن يلتحق بأحزاب عفا عنها الدهر أقامها مناضلون وطنيون رحلوا عن الساحة السياسية منذ مدة ليست باليسيرة طوعا أو كرها ، أحزاب مكبلة ببيروقراطية مقيتة مغرقة في الأسرية والعشائرية فكل دعوة للانخراط هي مزايدة سياسية ليس إلا ، ربما لتمرير لحظة انتخابية عابرة .ف ﴿﴿ لكل فكر قالبه وشكله الخاص﴾﴾ كما يقول الشكلانيون الروس –مدرسة في النقد والأدب —
ومن أسس جبهة داخلية قوية تعزيز الصرح الديموقراطي من خلال تقوية العمل المدني ومشاركة المواطنين ، فالدولة للأسف تجد صعوبة في إزاحة ضعف الثقة بينها وبين الجمعيات من خلال الاستقطاب مرة والسيطرة أخرى والقمع مرة ثالثة، لأن هدف الدولة عادة مايكون فرض التبعية او ممارسة المنع ، رغم أن استقلالية العمل الجمعوي هي شرط ديموقراطي بما يستتبع هذا الشرط من حق التنظيم( الحصول على الوصولات ) والحق في إقامة الأنشطة في الفضاءات العمومية وما إلى ذلك مما يرفع من مستوى تأطير المواطنين ومن مستوى القضايا المعروضة للنقاش دون إقصاء ،لأن المواطنين في نهاية المطاف هم حماة الوطن وسند حكامه ضد كل ما من شأنه تهديد كيانه السياسي ووحدته الترابية وهويته الثقافية .نتبنى هذا الطرح ونحن نعلم ان أدوار الجمعيات تمت مأسستها وأقر بها دستور 2011 وقبله أطر عملها ظهير 1958 وتعديلات 2002 …. ومع ذلك هناك صعوبة بيروقراطية في تنزيل مقتضيات الدستور وبنود الظهير ومواد التعديلات على أرض الواقع
ومن أسس جبهة داخلية قوية كذلك : إعادة تحديد الأولويات التي يجب أن تستجيب لمطالب واهتمامات السكان الأكثر هشاشة بشكل توافقي ، وليس بالشكل الذي اختارته عمالة سلا على سبيل المثال لا الحصر في معالجتها لملف دوار أولاد العياشي ، في حين كان الأجدر أن يخلق فضاء للحوار بين المنتخبين المحليين والمواطنين والجمعيات تحت أعين السلطة المحلية لوضع استراتيجية مشتركة لتثبيت دعائم نموذج تنموي فتي .
أعتقد كذلك ان لا وجود لجبهة داخلية متحدة في غياب المشاركة في صنع القرار، بمعنى الجمع بين الديموقراطية المباشرة والديمقراطية التمثيلية
وأختم بالدعوة الى دعم الانفراج السياسي وتوظيف العفو الملكي في تقوية التماسك الوطني خصوصا في ملفات الاعتقال التي تحظى بتعاطف قاعدة واسعة من النخب الثقافية على وجه التحديد
كل أبناء جيلي يتذكرون أن الراحل الحسن الثاني رحمه الله كان كلما أحس بجبهة وطنية متماسكة كان يخاطب محيطه الإقليمي والدولي ببيتين من قصيدة الشاعر اللبناني الخالد ايليا ابو ماضي…..
// سقف بيتي حديد
ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح
واهطلي بالمطر. //
ما أحوجنا للمطر…….! فهو من الدعائم الطبيعية لتماسك جبهتنا الوطنية……اللهم ارحمنا …
*محامي وناشط جمعوي