يعاني مجتمعنا المعاصر من أزمة قيمية ، ناتجة عن سيطرة القيم المادية على سائر القيم في الحضارة الغربية المعاصرة؛ مما أدى إلى اختلال القيم ذاتها، ولهذا يعد التمسك بالقيم ، والالتزام بها والعمل على غرسها ، مقياسا هاما لحضارة أي أمة و عاملا رئيسيا في تقدمها، ولذا نجد اهتماما كبيرا ، من قبل المتخصصين في العلوم الإنسانية والتربوية بالقيم .
ومن دواعي الاهتمام بالقيم، هو ما تتعرض له المجتمعات الإسلامية من غزو وتذويب قيمي وثقافي مقصود أو غير مقصود أفقدنا القدرة على المقاومة أو المسايرة الهادفة، فاهتز كياننا واضطرب سلوكنا واختلت معاييرنا التي كانت توجه سلوكنا وأفكارنا وأقوالنا في الاتجاه الصحيح الأمر الذي يفرض علينا عودة الاهتمام بالقيم والسعي إلى بناء نسق قيمي قديم جديد يجسد هويتنا، ويحفظ لنا ذواتنا ويحقق لنا وجودا متميزا فاعلا في هذا العصر.
ومما لا شك فيه، أن التربية في المنظور الإسلامي تسهم في إعداد وبناء شخصية الفرد المسلم عقائديا وفكريا وسلوكيا ليكون الفرد القدوة الحسنة في المجتمع من خلال زرع القيم المختلفة، كحسن الخلق والتعاون والإخلاص في العمل والاحترام وحب الآخر وقوة الإيمان وليس أدل على ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ، بالإضافة إلى العديد من المبادئ التي حث الإسلام على زرعها في كافة الأفراد والجماعات من أجل تحقيق الهدف من خلق الإنسان ألا وهو إعمار الأرض وإصلاحها.
إن القيم الإسلامية إذن ،تمثل دورا أساسيا في حياة الفرد والجماعات والمجتمعات إلى درجة أصبحت فيها القيم قضية التربية ، ذلك أن التربية في حد ذاتها عملية قيمية ، فالقيم هي التي تحدد الفلسفات والأهداف والعمليات التعليمية، وتحكم مؤسسات التربية ومناهجها، فهي موجودة في كل خطوة وكل مرحلة وكل عملية تربوية وبدونها تتحول التربية إلى فوضى.
ومن الواضح أن ما تعانيه بعض المجتمعات الإسلامية المعاصرة اليوم من فقدان للاطمئنان وطغيان المادة وتيه الأخلاق وتشتت في الأسر وتفكك في العلاقات الاجتماعية بصورة عامة هو الذي جعل كثيرا من مفكري المجتمعات الإسلامية، يبحثون عن مخرج لذلك المأزق وينادون بأنهم لن يجدوا المخرج من تلك الهاوية إلا في ظل القيم الإسلامية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن ثم ، فإن العودة إلى الجذور الحضارية والأصول الإسلامية لإحياء هذه القيم الإسلامية صارت ضرورة حتمية لحياتنا المعاصرة، قبل أن نفقد هويتنا الإسلامية وتذوب وسط الحضارة المادية ونظريتها الوضعية القاصرة.
والقيم الإسلامية هي القيم النابعة من الشريعة والمنبثقة من العقيدة الإسلامية ، والمرتبطة بمصادر التشريع الإسلامي التي تكون محل التزام واحترام من قبل الفرد والمجتمع، ولهذا عرفت بأنها:” تعني المعتقدات والأحكام التي مصدرها القرآن والسنة يتمثلها ويلتزم بها الإنسان المسلم ومن ثم يتحدد في ضوئها علاقته بربه واتجاهه نحو حياته في الآخرة ، كما يتحدد موقفه من بيئته الإنسانية والمادية وأما علماء الاجتماع والتربية فيعرفونها بأنها :”محكات ومقاييس نحكم بها على الأفكار والأشخاص والأشياء والأعمال والموضوعات والمواقف الفردية والجماعية من حيث حسنها وقيمتها والرغبة بها، أو من حيث قيمها وعدم قيمتها وكراهيتها”.
وقد صنف الدكتور ماجد عرسان الكيلاني القيم الإسلامية بمنحى آخر مستمد من آيات الله تعالى مباشرة إذ قال :”الإطار الذي يصنف نظم القيم ويرسم حدود كل نظام حسب مقاييس التربية الإسلامية هو الآيات العشرون التي تبتدأ بها سورة البقرة وهي :”أَلَٓمِّٓۖ ذَٰلِكَ اَ۬لْكِتَٰبُ لَا رَيْبَۖ فِيهِ هُديٗ لِّلْمُتَّقِينَ (1) اَ۬لذِينَ يُومِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَۖ (2) وَالذِينَ يُومِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالَاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيٰ هُديٗ مِّن رَّبِّهِمْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُفْلِحُونَۖ (4) إِنَّ اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمُۥٓ ءَآنذَرْتَهُمُۥٓ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُومِنُونَۖ (5) خَتَمَ اَ۬للَّهُ عَلَيٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَيٰ سَمْعِهِمْۖ وَعَلَيٰٓ أَبْصٰ۪رِهِمْ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٞۖ (6) وَمِنَ اَ۬لنَّاسِ مَنْ يَّقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ وَمَا هُم بِمُومِنِينَۖ (7) يُخَٰدِعُونَ اَ۬للَّهَ وَالذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يُخَٰدِعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَۖ (8) فِے قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ اُ۬للَّهُ مَرَضاٗۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يُكَذِّبُونَۖ (9) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لَارْضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَۖ (10) أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ اُ۬لْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَۖ (11) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُۥٓ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ اَ۬لنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُومِنُ كَمَآ ءَامَنَ اَ۬لسُّفَهَآءُۖ اَ۬لَآ إِنَّهُمْ هُمُ اُ۬لسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَۖ (12) وَإِذَا لَقُواْ اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّاۖ وَإِذَا خَلَوِاْ اِلَيٰ شَيَٰطِينِهِمْ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمُۥٓ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَۖ (13) اَ۬للَّهُ يَسْتَهْزِۓُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِے طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَۖ (14) أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ اَ۪شْتَرَوُاْ اُ۬لضَّلَٰلَةَ بِالْهُد۪يٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَۖ (15) ۞مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ اِ۬لذِے اِ۪سْتَوْقَدَ نَاراٗ فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُۥ ذَهَبَ اَ۬للَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِے ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبْصِرُونَۖ (16) صُمُّۢ بُكْمٌ عُمْيٞ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَۖ (17) أَوْ كَصَيِّبٖ مِّنَ اَ۬لسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعْدٞ وَبَرْقٞۖ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِےٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ اَ۬لصَّوَٰعِقِ حَذَرَ اَ۬لْمَوْتِۖ وَاللَّهُ مُحِيطُۢ بِالْكٰ۪فِرِينَۖ (18) يَكَادُ اُ۬لْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِۖ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْۖ وَلَوْ شَآءَ اَ۬للَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصٰ۪رِهِمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَلَيٰ كُلِّ شَےْءٖ قَدِيرٞۖ (19) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۟عْبُدُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُمْ وَالذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَۖ (20)”.
والإشارة إلى كل من المتقين والكافرين والمنافقين في الآيات المذكورة أسلوب قرآني يتكرر في أكثر من موضع يشير إلى الأفكار والقيم من خلال آثارها في النفوس وثمرتها الحسية في سلوك البشر وواقعهم،وهذه الأصناف الثلاثة من القيم تنمو وتشيع بحسب البيئات الثقافية والاجتماعية التي تفرزها المجتمعات البشرية ، فالبيئات المحلاة بالعلم والعدل والمعروف هي المناسبة لنمو قيم التقوى وانتشارها، أما البيئات الملوثة بالجهل والظلم والمنكر فهي التي تهيئ ل قيم الكفر وقيم النفاق أن تنمو وتتكاثر وتفترس عقل الإنسان وإرادته تماما كما تفترس الجراثيم والفيروسات الأجسام في البيئات الملوثة بالقاذورات التي تهيئ للجراثيم النمو والانتظار.
وختاما : فالقرآن الكريم والسنة النبوية مصدران رئيسان للقيم الإسلامية، النافعة في دار الدنيا والآخرة، وهي أحق بأن تعولم، لتنتشر في سائر أرجاء الدنيا، إنها قيم كونية صالحة لكل زمان ومكان ومصلحة للإنسانية والأكوان فهي تنظم علاقة الإنسان بربه ونفسه وأهله والناس المحيطين به والجمادات والأحياء ، ويعتبر الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم نماذج عملية لتطبيقات القيم الإسلامية والأخلاق القرآنية، فهذه القيم ليست أنماطا نظرية ولا نماذج طوباوية، إنها سلوكات عملية وممارسات حياتية يومية تجسدت في سلوكات خير البرية صلى الله عليه وسلم ومن اتبع هداه من الصحابة والأئمة والشرفاء المهتدين بهديه المستنيرين بنوره.
* إطار إداري بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ، بالمديرية الإقليمية بالقنيطرة..