“
ش خ”
بعد مرور عام ونيف على إصدار النظام الأساسي الجديد لمنظومة التربية والتكوين، تطرح تساؤلات وجيهة عما إذا كان بالإمكان القول فعلا إن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة نجحت في تدشين مرحلة جديدة لمعالجة التراكمات والاختلالات التي أرخت بظلالها على القطاع لعقد من الزمن؟ وماهي يا ترى القضايا التعليمية التي تم الحسم فيها، وكذا تلك التي ما تزال عالقة في ظل النظام الأساسي الجديد؟
أسئلة وأخرى انبرت الجريدة للنبش فيها عبر استقصاء دقيق طرقت من خلاله أبواب قياديين نقابيين وفاعلين تربويين ومصادر جد موثوقة أملا في الوصول إلى المعلومة من منبعها. لكن قبل الخوض في الإجابة عنها، لابد من التعريج على الوضعية التي كان يعرفها الحوار القطاعي بعد آخر حوار تُوج بالمرسوم رقم 622/11/2 الصادر بتاريخ 27 دجنبر 2011 والذي كان ثمرة جولات الحوار الاجتماعي القطاعي، وكان حلا لمجموعة من المشاكل التي تفاقمت آنذاك، إثر تزامنها مع يسمى بالربيع العربي الذي ساهم إلى حد ما في احتجاجات عدة، شهدتها الوزارة لمجموعة من فئات المنظومة التعليمية، تم بعدها إبرام اتفاق بين الوزارة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، قضى بمواصلة الحوار في شأن القضايا والملفات المطلبية الجديدة، بعدما تم تحديدها وحصرها آنذاك، على أساس التفاوض بشأنها وفق برمجة زمنية.
وخلال عقد من الزمن، أي ما بين سنة 2012 ونهاية سنة 2021 -بعدما تم تعيين السيد شكيب بنموسى على رأس الوزارة- انضافت مشاكل أخرى وملفات مطلبية مستجدة، خاصة وأن السنتين الأخيرتين من العشرية السوداء (2012/2021) كانت خلالهما جلسات الحوار شبه منقطعة، وبالتالي تفاقمت أكثر مشاكل القطاع الذي أصبح قنبلة موقوتة بيد من سيتحمل مسؤولية تدبيره، خاصة مع بروز ملف الأساتذة أطر الأكاديميات سنة 2017، وقبله ملف 10.000 إطار، إذ تم آنذاك توظيف 7000 منهم وتمت إحالة 3000 المتبقية للقطاع الخاص سنة 2016 حينما اعتمدت الوزارة مبدأ التكوين، وهو الملف الذي ساهم في إذكاء حدة الاحتقان في الساحة التعليمية التي ستعرف لاحقا منعطفا غير مسبوق بعدما سيبرز ما يصطلح عليه بإشكالية “التعاقد”، والتي عمرت منذ 2019 إلى حدود 2022. فكانت البداية مع وضع نظام أساسي مصادق عليه فقط من طرف وزارة المالية والاقتصاد ووزارة التعليم، باعتباره يندرج ضمن أنظمة المؤسسات العمومية التي لا يتم نشرها ضمن الجريدة الرسمية، وحينها طرحت إشكاليات تطبيقه، وبرزت جملة مطالب للأساتذة المتعاقدين على غرار؛ الإدماج في الوظيفة العمومية، الاستفادة من الصندوق المغربي للتقاعد… دون أن تصل الصيغة الأولى لذاك النظام الأساسي إلى أفق انتظارات المحتجين.
ومع فترة الوزير شكيب بنموسى، تغيرت مقاربة الوزارة مع النقابات التعليمية، حيث إن اول ما قام به هو استقبال كتابها العامين، وأرسى بمعيتهم منهجية للحوار متفق عليها، وهو الحوار الذي توج آنذاك بالاتفاق المرحلي في 18 يناير 2022 وكذا اتفاق 14 يناير 2023، وهما الاتفاقان اللذان مهدا لصياغة النظام الأساسي، وخاصة بالاستناد إلى خلاصات اتفاق 14 يناير 2023 المؤسِّس للمبادئ الرئيسة الموجهة لمضمون النظام الأساسي الذي نص بصريح العبارة على إدماج أطر الأكاديميات سابقا ضمنه.
وحيث إن الوصول إلى الاتفاقات قد يبدو صعبا، إلا أن الأصعب منها هو تفعيلها وتجسيدها على أرض الواقع، خاصة ونحن نستحضر العديد من الاتفاقات المبرمة مع الفرقاء الاجتماعيين في فترات زمنية سابقة، قد بقيت حبرا على ورق، بفعل إكراهات طارئة لا تختلف في شيء عن الإكراهات التي تعرفها حاضرا الوزارة ومعها الدولة المغربية، إلا أنه مع ذلك يسجل للمسؤولين الحاليين للوزارة بمداد الفخر والاعتزاز، كونهم كانوا في مستوى اللحظة التاريخية، وفي مستوى تطلعات أطر المنظومة التعليمية بمختلف فئاتها التي استطاعت جني مكاسب مختلفة غير مسبوقة، كما تم كذلك نزع فتيل احتقان خطير كاد يؤدي إلى منزلقات وخيمة، لولا حس المواطنة الحقة الذي عبر عنه نساء ورجال التعليم من جهة، وكذا حنكة وخبرة وتبصر مسؤولي الوزارة من جهة ثانية، حيث استطاعوا في الآن نفسه ضمان سلم اجتماعي كانت المملكة المغربية في حاجة ماسة إليه، خاصة في ظل اضطرابات إقليمية غاية في الحساسية، وكذا تحقيق مكاسب هامة لعموم نساء ورجال التعليم، والتي يمكن حصر بعضها كالتالي:
– حل مشكل أطر الأكاديميات سابقا بترسيمهم وفق مسطرة مبسطة جدا، وترقيتهم في الرتب بأثر رجعي للأفواج الخاصة بسنوات 17-18-19-20-21-22-23 لما يناهز 115.000 أستاذ(ة)، ناهيك عن استفادتهم من الامتحان المهني لسنة 2023 ولأول مرة ولما يزيد عن 4000 مترشح(ة)، مع المباشرة الفورية لإجراءات ترسيم فوج 2023، مع ترك صلاحية الاختيار لأساتذة التعليم الثانوي بين سلكي الإعدادي أو التأهيلي.
– -الترسيم التام لفئة “غير المرسمين في إطار النظامين الأساسيين 85و2003” والذين يناهز عددهم حوالي 74 حيث عانوا هذه الوضعية الشاذة لسنوات طوال.
– بخصوص الزيادة في الأجور، سيتوصل كافة نساء ورجال التعليم في متم الشهر الجاري (يناير 2025) بالشطر الثاني من الزيادة المبرمجة، إضافة إلى تخفيض ضريبي في إطار الحوار المركزي، ليصل مجموع ما سيستفيد منه “أطر الأكاديميات سابقا” -على سبيل المثال- باحتساب الترقية في الرتب والتخفيض الضريبي ثم الزيادة في الأجور إلى حوالي 2000 درهم، وليبلغ راتبهم الشهري حوالي 7000 درهم، بعدما كان لا يتجاوز 5000 درهما بالنسبة للمرتبين في السلم العاشر، أما بالنسبة للمرتبين في السلم الحادي عشر فسيصل راتبهم إلى ما يناهز 9000 درهم.
– منح أقدمية اعتبارية هامة لما يزيد عن 100.000 مستفيد(ة) من نساء ورجال التعليم، استنادا إلى مجموعة من المواد الواردة في النظام الأساسي، على غرار المادتين المادتين 76و81 منه، وهي الأقدمية التي سيستفيد منها الأطر المرتبة في السلم العاشر الذين تم توظيفهم لأول مرة في السلم التاسع، وبعض الأطر المرتبة في الدرجة الأولى، وأطر هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم، وبعض الموظفين الذين ستتم ترقيتهم إلى الدرجة الممتازة لأول مرة ابتداء من 01/01/2024، وكذا بعض أفواج خريجي مراكز تكوين الأطر العليا بالوزارة.
– تقليص عدد السنوات المطلوبة للترقية في الرتبة انطلاقا من شتنبر 2023 طبقا لما هو منصوص عليه في النظام الأساسي.
– – المحالون على المعاش لحد السن بتاريخ 31 غشت 2023 باعتبارهم أول فوج يستفيد من الترقية في الدرجة الممتازة.
– تم تنظيم امتحان الكفاءة المهنية برسم سنة 2023 بعد تدخل الوزارة لدى رئيس الحكومة لتوقيع ترخيص استثنائي لاجتيازه، والذي عرف نجاح حوالي 11.000 موظف(ة)، وكذلك الترقية بالاختيار برسم سنة 2023 التي تم التسريع بها رغم التعقيدات المرتبطة بالأقدمية الاعتبارية الممنوحة والحسم فيها مع القطاعات المعنية بخصوص التأويل الإيجابي لبعض مقتضيات مواد النظام الأساسي وفي شأن كيفية تطبيقها، واحتساب الخدمات السابقة لبعض الفئات (العرضيين والمتعاقدين سابقا الذين قضوا خدمات بصفة متعاقد مع الأكاديميات برسم سنتي 2009 و2011) وذلك بعدما حصلت الوزارة على تراخيص استثنائية بخصوص تسويتهم.
– – وبالنسبة لملف الإدماج، فقد تمت تلبية مطالب الفئات المشتركة استنادا إلى المادتين 74و75 حيث تم إدماج المساعدين الإداريين والتقنيين في إطار مساعد تربوي، والمتصرفين والمحررين والتقنيين، وكذا أساتذة التكوين المهني الذين كانوا تابعين سابقا إلى وزارة السياحة، والذين يناهز عددهم 10.000 مستفيد(ة).
– وعن ملف احتساب الخدمات السابقة (وضعية الأساتذة العرضيين السابقين)، وهو الملف الذي عمر طويلا جدا لمدة تزيد عن 15 سنة، فقد تم إنصاف ما يقارب 3900 تمت تأدية انخراطاتهم لدى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، حيث يتم التنسيق لتحويل الاشتراكات إلى الصندوق المغربي للتقاعد، واحتسابها ضمن الأقدمية العامة للمعنيين بالأمر للترقية بالاختيار في الدرجة برسم سنة 2023.
– وفي الوقت الراهن، تباشر الوزارة ملفات عمرت هي الأخرى طويلا، والمتعلقة بأساتذة سد الخصاص (سابقا) ومنشطي التربية غير النظامية وحاملي قرارات التعيين (سابقا) وأساتذة الوحدات التابعة لمدرسة.كم.
– أما بخصوص مباريات ولوج مراكز تكوين الأطر العليا المشار إليها في المادة 44 فإن الوزارة بصدد إعداد الترتيبات المرتبطة بهذه المباريات، إضافة إلى مباريات حاملي شهادة الماستر أو ما يعادله، والتي خصص لها ما يربو عن 6000 إمكانية للتباري في سابقة بالنسبة للوزارة.
– وبالنسبة للمباريات الخاصة بحاملي شهادة الدكتوراه (أستاذ مساعد)، فإن الوزارة بصدد المراحل الأخيرة، إذ أحدثت منصة إلكترونية للتحقق من صحة المعطيات، في انتظار للشروع في الإجراءات العملية لانتقاء وإجراء المقابلات، ضمانا للشفافية والنزاهة وحذف حالات التنافي ذات الصلة بأعضاء اللجن.
– أغلب النصوص التطبيقية للنظام الأساسي صدرت فعلا بنسبة حوالي أزيد من ٪80 حيث إن القرارات المتبقية لا يتجاوز عددها العشرة، من بينها: مرسوم جائزة الاستحقاق، مرسوم المؤسسات التعليمية، قرار التدقيق، قرار تقييم الأداء، قرار الحركة الانتقالية، قرار ميثاق الأخلاقيات…
– بخصوص البت في الترقية بالاختيار برسم سنة 2023 فإن الوزارة تعمل على برمجة اجتماعات اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء المركزية المختصة قريبا جدا، كما أنها منكبة حاليا على جميع القضايا المرتبطة بالحركات الانتقالية وتقييم الأداء المهني وبتدقيق وتفصيل المهام.
– بالنظر إلى طرح قضايا مستجدة تهم بعض الفئات، فإن الوزارة بصدد دارسة مطالب المختصين التربويين والمختصين الاجتماعيين، خاصة في ما يتعلق بوسائل العمل وتدقيق المهام، إضافة إلى الانكباب على ضبط أعداد المتصرفين التربويين المعنيين بالترقية في الدرجة بالاختيار برسم سنوات 2021 و2022 و2023، بتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية.
وإجمالا، فإن أهم ما ميز التدبير لمختلف الملفات المطروحة على طاولة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، سواء منها القديمة جدا أو الطارئة، كونها تعاملت معها بسرعة قياسية وبفعالية غير مسبوقة، سواء من حيث نوعية القضايا الشائكة التي تفاعلت معها إيجابا ووجدت لها حلولا جذرية، أو من حيث عددها، خاصة أن هناك تراكما لملفات استأنست بها رفوف مصالح الوزارة لعدة سنوات، وانضافت إليها ملفات أخرى جديدة، ناهيك عن الجهد المبذول من طرف الكاتب العام السيد يونس السحيمي رفقة ثلة من طاقمه المحنك، الذي استطاع بذل جهود مضنية ومكثفة عبر حوارات شاقة مع باقي القطاعات، طاقم مسلح بالخبرة اللازمة والأرقام والإحصائيات المضبوطة، والحس التواصلي الرفيع الذي مكنه من إقناع مسؤولي تلك القطاعات، وكان له كبير الفضل في تحقيق نتائج جد مرضية وغير مسبوقة عبر تاريخ منظومة التربية والتعليم، حيث يحق لشريفات وشرفاء نساء ورجال التعليم الافتخار بعطاءاتهم، خاصة وأن أطر المنظومة تعودوا لعقود على لغة التسويف والمماطلة والوعود الكاذبة، دون غيرها من لغة الحقيقة والواقع والممكن، لغة تستشف منها حس المسؤولية الحقة والمواطنة الصادقة التي لا لبس فيها، لغة واكبها فعل أحدث نقلة نوعية في تحسين الأوضاع المالية والمهنية للعاملين في القطاع، وذلك خلال عام واحد تمكنت فيه الوزارة بمواكبة فريقها القيادي من تحقيق تقدم جد ملحوظ في معالجة ملفات غير مسبوقة كما وكيفا، ما يعكس التزامها الراسخ على تحقيق تحول حقيقي في جودة المنظومة التربوية، وفق رؤية شمولية وإصلاحات جوهرية تستجيب لتطلعات أطرها وعموم الشعب المغربي، على اعتبار أن التعليم قضية مجتمعية غير قابلة لمزيد من الانتكاسات.
*فاعل تربوي