رضا سكحال
هزت فاجعة التسمم الكحولي بمدينة القصر الكبير الرأي العام الوطني، حيث حصدت أرواح مجموعة من الضحايا، استنكار هنا، وحزن هناك، وأضحت المدينة التي تشهد هوامشها على معركة الملوك الثلاث بواد المخازن، مجرد مقبرة للموت، لأحياءها قبل أمواتها.
لقد فعلها ماء الموت بلغة صديقي الإطار المعطل، ابن مدينة القصر الكبير، والذي فر منها بعد قهر دام لسنوات، يحمل معه نذوبا تؤرخ حصوله على شهادة الماستر في القانون، دون أن يجد عملا يضمن له قوته اليومي.
صديقي الذي اقتبست منه عنوان مقالي هذا، كان يسمي مدينته بالقبر الكبير، إذ لا فرص للتنمية بها، ولا وجود للعمل بها، شأنها شأن باقي المناطق المهمشة، أما ضواحيها فتلك مآساة أخرى.
يهتز رئيس مجلسها البلدي، ضد هاشتاج أبدعه المغاربة حتى يعود ثمن المحروقات لأصله، ولا يهتز على الواقع المزري لتلك المدينة، ولا يعير للإنسان داخل ترابها أدنى إهتمام، رغم كونه أثمن رأس مال بشري كما وصفه بذلك عالم الاجتماع الفرنسي بروديو.
إنها المدينة الميتة التي لا يخشى سكانها الموت، يفضل أغلب شبابها الهجرة بدل انتظار فرص شحيحة ونادرة، إنها المدينة التي كتب فيها السعديون انتصار المغرب الذي لا يعرفه “الحاج” رئيس مجلسها البلدي، وأذل فيها المغاربة جنود البرتغال وقتلوا ملكهم.
كيف تحولت لخراب وهي أرض التاريخ التي أرخت لواحد من أعظم الانتصارات؟ من يتحمل المسؤولية في ذلك؟
الجواب قد يفصله كل طرف على مقاسه، والأكيد أن داخل كل منا جوابا، ليس فقط على تهميش مدينة القصر الكبير، بل على تهميش العديد من المناطق بالشمال، مرورا بالغرب، وقوفا بالأطلس الكبير والصغير، واللائحة طويلة…
وواهم من يحاسب الشباب المتوفى، الذي لجأ للخمر هروبا من واقع محبط وما هذا بتبرير، ومخطئ من يحمل المسؤولية ل”گراب” القصر الكبير وحده…
أين دور الأجهزة الأمنية؟
وأين كان المقدم الذي يعرف دبة النملة؟
وأين اختفى الشيخ؟
وأين وأين….
بل ومن أين وكيف يباع ماء الموت في غفلة من هؤلاء جميعا؟
هنا بيت القصيد وهنا وجبت المحاسبة التي نتمناها أن تطبق، فتلك الأرواح في رقبة كل جهة تستطيع الفعل ولا تفعله.
رحم الله الضحايا وكل التعازي لأسرهم، ولا داعي للحكم المسبق عليهم، لأن العقاب والرحمة بيد الله وحده، ولا أحد منا يملك مفاتيح الجنة ولا النار.
وقبل محاسبتهم، حاسبوا الواقع الذي دفعهم للهروب منه، بل وحاسبوا من تسبب بكل هذه المآسي، حاسبوا الواقع، فهل تستطيعون؟
وأخيرا نقول للطالبي العلمي الذي وصفنا بالمرضى سابقا، المرضى يموتون واحد تلو الآخر، منهم من يلفظ أنفاسه هربا من جحيم حكومتكم، ومنهم من يموت بجعة فاسدة، حتى ينسى ما فعله وزراءكم به.
اشترك يا رشيد لن يرجموك بالحجر، بل سيخبرون الله بكل شيء، بكل من تسسب في أذية هذا الشعب، وبكل من جعل فقراء هذا الوطن يعانون في صمت ويرحلون في صمت.