لا شك في أن التحولات التي شهدها القضاء المغربي منذ دستور 2011 إلى الآن كانت تحولات عميقة و جوهرية تمثلت بالدرجة الأولى في رقي القضاء إلى سلطة مستقلة بنص الدستور عن باقي سلط الدولة.
و لا شك أن أبرز ما جاء به دستور 2011 هو منح القضاة الحق في التنظيم و الانتماء الجمعوي، فتأسست جمعيات منها من ساهم في تطوير الوعي القضائي و الدفع بالقضاء نحو الاستقلال و منها من ساهم في تأثيت المشهد ، و منها من تحرك من أجل إثبات استمرار تواجده على قيد الحياة فقط.
لكن هل تغير شيء على مستوى الواقع بعد 11 سنة من إقرار دستور 2011؟
سنكون عدميين إن قلنا بأن القضاة المغاربة كلهم فاسدون، بل إن هناك قضاة قدموا و لازالوا الشيء الكثير للقضاء من خلال أحكامهم و قراراتهم و تدبيرهم لسير الجلسات و علاقاتهم الطيبة مع باقي أطراف منظومة العدالة. هم قضاة يمثلون جيل ما قبل دستور 2011، كانوا قضاة مستقلين رغم الإكراهات القانونية و الواقعية، فكانت مقاومتهم من أجل الحفاظ استقلالهم بلا حدود لأنه قناعتهم أن الأصل في القاضي و بالفطرة هو استقلاله و لو دون وجود نص يؤطر هذا الاستقلال.
ثم برز جيل ما بعد دستور 2011، جيل من القضاة الشباب الذين سلكوا طريقا شاقا من أجل التأسيس لفكر جديد داخل جسم مترهل أنهكته سنوات من الرشوة و الفساد و عدم الاستقلالية في الممارسة.جيل صادفته صعوبات كبيرة في تغيير الصورة النمطية للقضاء المغربي و تنزيل أفكاره النيرة على أرض الواقع، منهم من أفلح في ذلك و صنع مكانة كبيرة له و لأحكامه و لرؤيته للقضاء و منهم من لازال يقاوم.
لكن قبل و بعد دستور 2011 هناك قضاة بصموا القضاء المغربي بصورة سوداوية لا يمكن السكوت عنها. فإذا كانت التشخيص الذي جاء في تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة قدم قراءة كاشفة لواقعة مرير من الفساد داخل القضاء المغربي ، قضاء التعليمات بامتياز في ذاك الوقت. فإن هذا الواقع لم يتغير الآن. إذ و رغم مقاومة الشرفاء من القاضيات و القضاة المغاربة من أجل إصدار أحكامهم طبقا للقانون و رفض تلقي التعليمات من أي أحد بمناسبة نظرهم في القضايا المعروضة عليهم و التصدي لكل ما من شأنه تعكير صفو استقلاليتهم انطلاقا من تحصين قرارات الجمعيات العمومية و محاولة جعلها هي المؤطر – من حيث المبدإ– لتدبير توزيع الشعب بين القضاة داخل المحكمة التي يمارسون فيها عملهم، و صد باب ضد كل الإغراءات من رشاوى و عطايا و غيرها، فإن هناك قضاة آخرون لازالوا يعيشون في كوكبهم الذي صنعوه لأنفسهم ، كوكب يفيض بالرشوة و الفساد و الاستعداد المستمر للاستجابة للتعليمات و الرغبات و غيرها. و إذا كان الواقع يلفظ بعضهم في مناسبات متباعدة- اعتقال رئيس غرفة بمحكمة النقض، اعتقال نائب وكيل الملك بالمحمدية ، اعتقال عضو غرفة الجنايات ببني ملال، فضيحة التسجيل الصوتي بين رئيسة غرفة بمحكمة النقض و أعضاء غرفة الجنايات بالدار البيضاء -، فإن هذا الأمر غير كاف لاجتثات هاته الأورام السرطانية من جسم العدالة لتخليص القضاء المغربي منهم و من فسادهم و تخليص المغاربة من طغيانهم. و لهذا وجب التصدي لهم بتعزيز آليات الرقابة من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية عبر جهاز المفتشية العامة و ذلك بإجراء تفتيش دوري و القيام بمقارنات بسيطة بين الأحكام لتكتشف العجب العجاب حيث تجد نفس القاضي يمنح السراح المؤقت لمتهم يخضع للتحقيق من أجل جناية السرقة الموصوفة طبقا للفصل 507 من القانون الجنائي مع وجود تنازل الضحية رغم الاعتراف ، لكنه يرفضه لمتهم آخر في نفس الظروف. كما يتعين تعزيز آليات الحماية أيضا للمبلغين عن جرائم هؤلاء، و أيضا تعزيز الوعي الجماعي لدى المغاربة عامة و الجهات التي لها بحكم وظيفتها احتكاك مباشر بعمل هؤلاء و ذلك بفضحهم و التبليغ عنهم. و هنا يجب أن نتكلم بوضوح عن دورنا كمحامين يعرفون الشاذة و الفاذة عن هاته المنظومة. إذ غالبا ما نصادف أو نسمع عن رشاوى و فساد بعض القضاة و قد يكون محامون شركاؤهم في هاته الجريمة، لكننا لا نقدم على أية مبادرة إيجابية في سبيل كشف هؤلاء المتعفنين من الطرفين فيظل حديثنا حبيس أنفاسنا. و هو ما يضرنا نحن أولا و يضر مهنتنا و يضر المواطن المغربي .كما يضر صورة قضائنا بل بلدنا بأكمله.
فاللهم أصلح حالنا و حال قضائنا.
*محامي بهيئة القنيطرة وناشط حقوقي