*الأستاذ رشيد أيت بلعربي*
لقد شهدت العدالة المغربية حراكا كبيرا في القرن الواحد و العشرين ساهمت فيه جل مكونات المجتمع من أحزاب ، جمعيات حقوقية ، محامون و محاميات، قضاة و قاضيات ، صحافة حرة و مستقلة انتهى بتعديل دستوري سنة 2011 أقر باستقلال السلطة القضائية. و هو الاستقلال الذي حمل آمالا كبيرة للعدالة، تحقق منها الكثير بمساهمة قاضيات و قضاة آمنوا منذ البداية بأن استقلالهم هو المعبر الوحيد عن وجودهم.
إن الدستور الذي حمل استقلال السلطة القضائية هو نفسه الذي أناط بكم في فصله 117 مهمة حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي و تطبيق القانون.
و أنتم تعلمون زميلاتي زملائي القضاة بأن الأمن القضائي و حسن تطبيق القانون لا يمكن أن يتحقق دون محاكمة عادلة تراعي حقوق الدفاع في المقام الأول باعتبارهما حقين يضمنهما الدستور في فصله 120.
و بمناسبة مناقشة الحق في محاكمة عادلة و حق الدفاع تعلمون السادة قضاة و قاضيات المملكة بأن زملاءكم المحاميات و المحامين عبر ربوع الوطن يعيشون أكبر محنة في تاريخ المحاماة تجلت في الهجمات الشرسة و المتتالية لوزارة العدل و وزارة المالية من خلال محاولة فرض قانون للمهنة يضرب استقلال المحاماة و حصانة الدفاع في الصميم، و مشروع قانون للمالية يضرب كل قيم العدالة الضريبية من خلال فرض تسبيق ضريبي على كل قضية يفتحها المحامي في مكتبه بغض النظر عن طبيعتها و رفع سعر الضريبة على القيمة المضافة على أتعاب المحامي ، دون مراعاة لخصوصية مهنة المحاماة و لحق التقاضي المجاني لفئات واسعة من المجتمع.
إن هاته الهجمة و كما بدا واضحا لكل متتبع يحركها شخص أبان عن حقد دفين و غير مفهوم لمهنة ظل للأمس القريب يمارسها بشكل نظامي و مازال يمارسها إلى الآن متخفيا رغم حالة التنافي.
إن توالي الهجمات على زميلاتكم و زملائكم المحامين دفع مؤسساتهم المهنية على المستوى الوطني اتخاذ قرارا غير مسبوق يتجلى في التوقف التام عن العمل بمختلف محاكم المملكة ابتداء من يوم غد الإثنين و إلى أجل غير مسمى بعدما قاموا بخطوات إنذارية لم تجد مسؤولين أكفاء بآذان صاغية.
و ها أنتم غدا ستدخلون قاعات الجلسات و ستجدون أنفسكم أمام ملفات ورقية بدون روح و متهمين و ضحايا يملؤون هاته القاعات دون محامين يؤازرونهم أو ينوبون عنهم. و لا شك أن الكثير منكم ممن يؤمنون بمفهوم الأسرة الواحدة و بقدسية رسالة الدفاع و بالحق في محاكمة عادلة يتضامنون مع زملائهم المحامين و يؤيدون مسعاهم في إيجاد حل لهاته الوضعية التي وجدوا أنفسهم فيها، لكن بسبب واجب التحفظ الذي يحكمكم لن تستطيعوا التعبير علانية عن هذا التضامن.
أما على مستوى تدبير الجلسات فلا شك أنكم ستقفون أمام خيارين:
-أولهما يتجلى في اعتباركم القضية جاهزة لعدم جواب دفاع المدعى عليه أو المستأنف عليه أو لعدم تعقيب دفاع المدعي أو المستأنف رغم الإعلام و الإمهال، أو القضية جاهزة لكون المتهم و المطالب بالحق المدني أمهل لإعداد الدفاع لكنه لم يقم بذلك.
– ثانيهما تأخير الملف إلى جلسة لاحقة لتمكين أطراف الدعوى من الجواب أو التعقيب أو تقديم المطالب المدنية أو إعداد الدفاع بواسطة محاميهم و ذلك انتصارا لروح الفصل 117 من الدستور الذي وضع على عاتقكم مسؤولية حماية الأمن القضائي و القانوني للمتقاضين، و انتصارا أيضا لروح الفصل 120 الذي يؤكد على كون المحاكمة العادلة و الحق في الدفاع مضمونان. و مادام المتقاضي سيقف أمامكم مجردا من هذين الحقين فإنكم المسؤولون الأولون على ضمانهما بكافة الوسائل.
فإذا كان استقلال القاضي حق للمتقاضي و ضمانة أساسية له في محاكمة عادلة ، فإن حق الدفاع بدوره حق للمواطن و ليس للمحامي و لا يمكن تصور محاكمة عادلة في غياب المحامي.
فابتداء من يوم غد ستصلنا أخبار عن القاضي الذي جسد استقلاله و حكم ضميره و انتصر لقيم العدل و المحاكمة العادلة و حق الدفاع ، وعمن تجاهل هاته القيم.
*عضو مجلس هيئة المحامين بالقنيطرة