منعم أولاد عبد الكريم
شاركت، صباح اليوم، بالرباط، رفقة أسرتي في المسيرة التي دعت إليها الجبهة الاجتماعية المغربية، المشكلة من مجموعة من مكونات اليسار، في إطار الواجب الذي يمليه مبدأ التموقف من السياسات اللاشعبية للحكومات المغربية المتعاقبة، والتي تهدف إلى تقليص مجال الحريات، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، من خلال تعميم الخوف بتكميم الأفواه وإخراص الأصوات المعارضة والمشاكسة؛ ثم أيضا رفضا للتفقير والتجوبع الممنهج للفئات الاجتماعية المسحوقة وضرب الطبقة الوسطى من خلال رفع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بشكل فاحش وانتشار المضاربة والتواطؤ التجاري وغياب المنافسة داخل قطاعات حساسة كقطاع المحروقات.
نداء الجبهة لمسيرة الرباط، وإن جاء متأخرا لاعتبارات لا داعي لذكرها، اعتبره ملزما بالنسبة لكل مواطن يعتبر نفسه معنيا بقضايا الشعب المغربي ولو في حدودها الدنيا، ومتضررا من السياسات الحكومية، بغض النظر عن انتماءاته ومواقفه من هذا التنظيم أو ذاك، وهذا أضعف النضال.
فهذا التغول الخطير للسلطة الذي صرنا نشهده في سياقات اصطفافها إلى جانب الرأسمالية اللبرالية المتوحشة، لا يمكن أن يجابه بالسلبية واللامبالاة والاستكانة، وإن كانت السلطوية تراهن على كل ذلك لاستغلال اختلال موازين القوى الاجتماعية لفائداتها، وتمرير كل القرارات التي تحصن نفوذ ومصالح وهيمنة حلفائها الكلاسيكيين ولو بسحق باقي الفئات الاجتماعية العريضة.
ففي مرحلة “الجزر” الحقوقي والديمقراطي هاته، حتى لا نقول “الإنتكاسة الديمقراطية”، قد يكون مفهوما عزوف الجماهير الشعبية نسبيا عن الاستجابة لنداءات الخروج إلى الشارع، إلا أن قيادة هاته الاحتجاجات لا يمكن أن تكون بجبهة فيها شروخ عرتها مظاهرة باب الأحد.
فبحكم وحدة المطالب وخطورة الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بالمغرب، كنت أتوقع انصهار كل مكونات الجبهة داخل المسيرة تحت يافطة واحدة عنوانها الأبرز الجهر بمعاناة الشعب المغربي والمطالبة بإرجاع القطار الديمقراطي إلى سكته قبل انقلابه، واستغلال مناسبة الخروج للشارع من أجل الظهور بمظهر الوحدة التي توحي بالقوة. إلا أنني تفاجأت بانقسام المسيرة إلى أطياف وألوان، مع محاولة كل مكون الظهور بمظهر العنصر الأقوى داخل الجبهة.
إن هيمنة الألوان داخل مسيرة شعبية تعطي الانطباع لغير “المصبوغين” بأنهم غير معنيين بنضالات الجبهة ومطالبها، وهذا خطأ استراتيجي قاتل…يبدو أننا نعجز عن التجرد من الألوان حتى حينما يتعلق الأمر بقضايا لونها واحد قاتم السواد. فإذا كان ولابد من “بصمة” (Étiquette) للمسيرة، فلافتة واحدة في الواجهة كانت تكفي وتفي بالغرض، أما كثرة الألوان حينما يتعلق الأمر بقضايا جماهيرية، لا يوحي نهائيا بالقوة، بقدر ما يدل على الشتات والانقسام وتصدع الصف، الذي يصعب معه كسب التعاطف الشعبي ومواجهة المد السلطوي.
أخي العزيز
أنا الراقي عبد الغني، عضو مسؤول بالسكرتارية الوطنية الجبهة الاجتماعية المغربية، أخبرك أن قرار الحضور بالألوان المميزة لكل مكون من مكونات الجبهة، هو قرار للسكرتارية الوطنية. هل تعرف، رفيقي، لماذا اتخذنا هذا القرار؟ لكي تكون هناك منافسة في التعبئة والحضور. وحتى لا يختبئ أحد خلف الآخرين.
مع ملحوظة مهمة: الرأي الذي عبرت عنه سليم إلى حد بعيد، وقد كان هذا هو موقف الجبهة في مراحل سابقة. لكننا وانطلاقا من تقييمنا للمحطات السابقة، اتخذنا هذا القرار. وأعتقد أنه قرار سليم كذلك، إلى حد بعيد.