تعتبر المواطنة الحقة والكاملة من الدعامات الرئيسية للديمقراطية. كما تعد الحرية المسؤولة شرطا أساسيا من شروطها. وإن الحرية المسؤولة لا تتحقق إلا باستثمار على المديين المتوسط والطويل في العنصر البشري من أجل تأهيله لكي يصبح عاملا محوريا في تكريس الديمقراطية وصيانتها والمساهمة الفعالة في خلق التنمية.
فلا ديمقراطية بدون مواطنة، ولا مواطنة بلا بحرية تصون اختيارات الفرد وتواجهاته وترتكز على المسؤولية في ممارساته. وبما أن الديمقراطية كذلك هي القاطرة الحقيقية للتنمية الفعلية، فيستحيل الحديث عن هذه الأخيرة في غياب مواطن كامل الحقوق وواع كل الوعي بواجباته تجاه الوطن والمجتمع.
وإن غياب الحرية يؤدي حتما إلى فقدان باقي الشروط الأساسية للمواطنة من صحة وتعليم وعدالة اجتماعية، وبالتالي، انتفاء الديمقراطية واستحالة تحقيق تنمية فعلية بالبلاد.
وإن ضعف تأهيل الفرد من الجوانب البدنية والفكرية والثقافية والعلمية، هو ما يفشل كل المخططات التنموية، ويجعل كل مبادرات البناء الديمقراطي، وكل محاولات التغيير والذود عن الديمقراطية أشبه ما يكون بالسراب.
ومن الاوراش المصيرية التي فشل فيها المغرب هناك ورش محاربة آفة الفساد التي تنخر إدارة واقتصاد البلاد وتساهم في تعطيل مسار التنمية والإصلاح الديمقراطي. فقبل الخوض في مسألة محاربة الفساد وتطهير البلاد من الفاسدين المفسدين، كان ينبغي أولا تهييء الأرضية لذاك بمحاربة الاستعباد والاستبداد والاستبلاد، ومنطق الرعايا والخدام..
فحينما يكون المواطن قادرا على اتخاذ القرارات المناسبة من تلقاء ذاته وبكل حرية، متحررا من كل قيود الرقاية الذاتية والخارجية وخيوط التبعية، حينما يكون مصيره بيده، سيصبح أمر انخراطه في كل الأوراش الوطنية، بما فيه ورش مناهضة الفساد، هينا وميسرا، وأما وقد تم هدم المواطنين من الداخل وإضعاف روح الانتماء إلى الوطن فيهم، من خلال تكريس وترسيخ الخوف والخنوع والركوع والانبطاح، ثم شرعوا يقتلون فيهم حتى القيم الإنسانية، فستبقى الخطابات والإملاءات والشعارات في واد والمغاربة في واد آخر.
الإصلاح يبدأ من المنبع وليس من المصب. والدرج ينظف من الأعلى. فلا ينبغي تحميل المواطن أكثر مما يطيق، ولا مطالبته بخوض معارك لم نهيئه لها. محاربة الفساد مع العبودية أمران لا يستقيمان. الحرية أولا والبقية تأتي من تلقاء نفسها.. وهذه ليست مسؤولية الدولة (أو النظام السياسي) وحدها، بل هي مسؤولية تتقاسمها معها النخب المثقفة التي خانها في فترات التأثير البعد التأطيري على المدى البعيد، مع استثناءات قليلة طبعا. وهذا أيضا ليس مشكل المغرب وحده، بل اكاد اجزم انه مشكل كل الدول العربية، أو حتى كل دول العالم الثالث تقريبا. وهنا يحضرني اقتباس من رواية “أوكي مع السلامة” لرشيد الضعيف يقول فيه:
«إننا نعيش اليوم بعض ما حلم به شعراؤنا وكتابنا، هؤلاء الذين نشروا فينا، في الثقافة العربية ، ثقافة صناعة الموت لا ثقافة صناعة الحياة. مجدوا الموت والفداء – وكان هذا لا شك أمرا ضروريا ولا يزال – ولكنهم لم يمجدوا في الوقت نفسه الحياة والذكاء والحكمة والعمل بصبر وبنفس طويل من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، ولم يلتفتو إلى بناء الدولة والمؤسسات، ولم يدعوا الى احترام الاخر وما إلى ذلك.»
*فاعل جمعوي