بقلم: *منعم أولاد عبد الكريم*
تقول كلمات إحدى الأناشيد الجميلة والشهيرة الخاصة بكأس العالم قطر 2022 “Dreamers”، أي الحالمون، للفنان الكوري الجنوبي”جانغكووك”:
«سوف نجعل (الحلم) حقيقة لأننا نؤمن به.
انظروا من نحن، نحن الحالمون
سوف نجعله حقيقة لأننا نراه.
لهؤلاء الذين يحافظون على الشغف
كل الاحترام.
ولهؤلاء الذين يمكنهم تخيل الأمر
كل الاحترام».
الألبوم الغنائي لمونديال قطر، الذي أشرف عليه الفنان المغربي نادر الخياط “ريدوان”, تم انتقاء أغانيه بعناية فائقة، وهي تعبر عن طموح مختلف شعوب العالم الممثلة في البطولة من خلال منتخباتها. إلا أنني اجد في هذه الأغنية بالضبط (Dreamers) تعبيرا صريحا عما يعيشه الشعب المغربي خاصة والشعوب العربية والإفريقية عامة، من مشاعر يختلط فيها الحلم بالحقيقة. فهذا الإنجاز التاريخي وغير المسبوق للأسود خلال كأس العالم يصعب استيعابه لدرجة أن واحدا من صناع هذه الملحمة، سفيان بوفال، وصفه بالحلم الذي لا يريد الإستفاقة منه. إلا أن الأمر، في رأيي، لم يعد كذلك. فهذا الإنجاز كان ربما حلما قبل انطلاق المنافسات، أما الآن وقد بلغنا دور الأربعة، وقد دخلنا تاريخ كرة القدم العالمية من أوسع أبوابه، فقد أصبح أمرا واقعا وحقيقة ثابتة، لا تشوبها شائبة.
هذا ليس حلما، فكرة القدم العصرية لا تتحدث إلا لغة الواقع، والمنتخب المغربي يلعب الكرة الاكثر واقعية في كأس العالم الحالية بشهادة كل النقاد والمحلليين الرياضيين بمختلف القنوات العالمية، والواقع يقول “من جد وجد”.فما يحققه الأسود في قطر الشقيقة إنما هو نتيجة عمل جاد ومجهودات جبارة وقرارات صائبة اتخذت في وقتها، والكثير من الإيمان الجماهيري بهذه المجموعة الاسثنائية من “المحاربين”: لاعبين وأطقم تقنية وطبية ومستخدمين وإداريين… لهذا، اعتقد ان مرحلة الحلم قد انتهت مع نهاية مرحلة إثبات الذات، لندخل مرحلة الإيمان بحظوظنا وإمكانياتنا ثم اللعب على اللقب، لأن المنتخبات المتأهلة لنصف النهائي لا تأتي إلى المونديال لكي تحلم، بل لتصنع الامجاد وتحصد الألقاب، لتحول الحلم إلى حقيقة، من خلال إيمانها بقدراتها، لأنها تراه قابلا للتحقيق، كما تقول الأغنية. وهنا تكمن عظمة المستديرة المملؤة بالهواء، أيط في تلك المسافات الضئيلة التي تفصل فيها بين الحلم والحقيقه والمجد والانتكاسة. وفي قدرتها الخارقة على إلهاب مشاعر الجماهير، إضحاكها أو إبكائها في رمشة عين، أو لنقول بلغة كرة القدم، في تسديدة داخل الشباك او قذيفة ترتطم بالقائم.
ليس بمقدور اي حدث او تظاهرة سياسية كانت، ثقافية، علمية أو حتى عقدية أن تحشد الجماهير وإخراجها إلى الشارع وجمع كل شعوب العالم أمام الشاشات وشل حركة المرور في اكبر العواصم العالمية كما في القرى النائية، مثل ما تفعله هذه اللعبة الساحرة. وليس بمقدورها مجتمعة لم شمل الشعوب وتوحيدها كما هو الحال مع كرة القدم. حوار الحضارات الحقيقي هو ذاك الذي يحصل داخل مستودعات ملابس فرق ومنتخبات كرة القدم، حيث يتعايش ويتوحد خلف نفس الالوان وبنفس الروح لاعبون من مختلف الألوان والأجناس والأعراق. فنحن كمغاربة، رغم الاختلافات الكثيرة التي تفرقنا، وكثرة الهموم التي نجترها، ورغم اختلاف لهجاتنا وجذورنا وانتماءاتنا السياسية والإيديولحية والطبقية، نصير كثلة واحدة موحدة حينما يتعلق الأمر بمنتخب يمثل ألوان الوطن. كما أن هذه النخبة من “الأسود”، التي تزأر في قطر ، رغم اختلاف بلدان مولد ونشأة عناصرها، كلنا نشاهد كيف انها “تلعب” بقتالية وروح منقطعة النظير وهي تلهث وراء الكرة دفاعا عن نفس القميص ونفس الراية. لا يمكنك ان تجد مثيلا لهذا اللغز المحير إلا في مجال كرة القدم. فليس هناك حبور جماعي يضاهي الاحتفاء بهدف او انتصار كروي. فحينما تتعدى الكرة خط المرمى، تحبس الأنفاس، يصيح المعلق التلفزي كما تعوي الذئاب الجائعة، ثم يحدث انفجار جماهيري شبيه ب”البيغ بانغ” في صراخ نابع من أعماق معاناة الجائع كما من بدخ وترف ذي الثراء الفاحش، فالكل حينها يصير سواء.
فبقوة وعظمة هذه الرياضة المذهلة، علينا أن نستفيق من الحلم ونعود إلى الواقع عاجلا، ثم المضي قدما من أجل تحقيق الحلم الاكبر، الذي لم تعد تفصلنا عنه سوى خطوتان، في انتظار التفرغ لأهداف وطنية أسمى لازالت تبدو أضغاث احلام، مستخلصين العبر من “الدرس المونديالي” دائما.