يعتبر كأس اليوم في قطر من أغلى كؤوس العالم تنظيما حيث بلغ مجموع الإنفاق حوالي 220 مليار دولار، ويعتبر كأس العالم اليوم الأول من نوعه الذي ينظم في دولة عربية بعد تجارب متعددة في دول أوروبية وأمريكا اللاتينية و آسيا و أمريكا الشمالية، ولقد قامت قطر بإعداد كل شيء من ملاعب، مقاهي، مطاعم، بنيات تحتية، ملاهي، فنادق،… معتمدة في ذلك على أحدث التكنولوجيات الرقمية وموظفة الذكاء الاصطناعي و البيانات الضخمة كي يشعر الزائر في قطر بجودة الخدمات السياحية في أبهى حلة، فقطر اليوم باستضافتها لكأس العالم عملت أكبر تسويق لهذه الدويلة الصغيرة التي أصبحت رقما صعبا في دول الخليج بصفة خاصة و آسيا بصفة عامة، فهذه الأخيرة كان هدفها من تنظيم هذه التظاهرة الكروية العالمية اليوم هدفين أساسيين : أولهما ديني- قيمي، والثاني اقتصادي. فالصراع اليوم في كأس العالم يعرف صراعين قويين صراع ظاهر وصراع خفي، صراع بين الشرق وصراع بين الغرب، صراع بين الفكر الإسلامي المعتدل والفكر الغربي ذو النزعة الفردانية، فالصراع الظاهر هو صراع المنتخبات على الفوز بكأس العالم في رقعة الملعب وسط الجمهور، أما الصراع الخفي فهو صراع بين قطر في علاقتها مع دول الخليج (المحيط الخليجي) خاصة الإمارات و السعودية أشد المنافسين لقطر وأشد الداعين والداعمين لمحاصرة قطر رغم الصلح الذي حصل، فالسعودية والإمارات تحاولان أن تقللا من قيمة كأس العالم في قطر فهذه الدويلة الصغيرة أثبتت أنها رقم صعب في محيطها ولا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال، فقطر تحاول أن تفرض سيطرتها في المنطقة وأن تلعب دور الريادة في المجال الديني والقيمي بدل السعودية التي تعتبر قبلة للمسلمين حيث عملت قطر على جلب المؤذنين الذين يتميزون بأصوات شجية وهادئة لجلب أنتباه الزائرين الأجانب، كما عملت قطر على جلب والاستعانة بالمشاييخ والدعاة المتنورين للتعريف بالإسلام وقيم الإسلام المعتدل وسلوكات المسلم وبالتالي دخول العديد من الأجانب إلى الدين الإسلامي وبالتالي انتراع الريادة من السعودية في هذا المجال كما تعتبر قطر مكان تواجد العديد من الشعيين بالإضافة إلى السنيين، كما أن صراعها مع السعودية لم ينته في هذا الجانب فقط فالسعودية من خلال رؤية 2030 تسابق الزمن وتسابق دول الجوار لانتزاع الريادة خاصة بعد إطلاق مجموعة من الاستثمارات في مدينة نيوم منها مدينة the line وهي مدينة أفقية مستدامة وذكية، وتطوير ميناء جدة، كي يصبح الميناء الأكبر في دول الخليج من حيث معالجة الحاويات والاستفادة من التجارة العالمية التي تمر بالبحر الأحمر الذي تشكل 10% من التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر، بالإضافة إلى تطوير مشروع مدينة العلا، ومدينة القدية ومشروع أكبر مزرعة للطاقة الشمسية، ومشروعات تهم استعمال الهيدروجين الأخضر في الصناعات الجديدة، ضف على ذلك أن أغلب دول الخليج الكويت وضعت رؤية الكويت 2035 وتشغتل على تطوير الجانب السياحي بشكل كبير خاصة مشروع مدينة الحرير والتي تتكون من عدة جزر اصطناعية وممرات طرقية و أبراج عالية كل هذا من أجل تطوير الخدمات الترفيهية و الفندقية بالمنطقة، وغير ذلك نفس الشيء بالنسبة للبحرين تشتغل على رؤية 2030 فالكل يسارع الخطى و الزمن لتسريع الوصول إلى رؤية 2030 بعد الفترة التي مرت على المنطقة بعد جائحة كورونا والآثار الاقتصادية السلبية التي خلفتها الجائحة في المجال السياحي، وبالتالي فقطر ذكية جدا فهي تعلم جيدا أن الأزمة التي شهدتها المنطقة كلفت ملايير الدولارات على الاقتصادات البيتروكيماوية ضف كذلك أن موقعها الجغرافي ليس إستراتيجي فهي دولة محصورة بين الإمارات والسعودية و الكويت والبحرين وبالتالي فباستظافتها للمونديال فهي تحاول تسريع رؤية قطر 2030 متخطية بذلك السعودية والامارات.
أما صراعها مع الإمارات فهو اقتصادي خاصة مع النمو المتزايد لدبي وأبوظبي و المشاريع العملاقة التي تحتضنها هذه الأخيرة واستثمارها في مجال الطاقات النظيفة والابتكارات الجديدة والعمل على تسريع رؤية الامارات 2071 والعمل حاليا على جعل دبي المدينة العالمية التي تسبق المدن العالمية بعشر سنوات من التقدم من خلال المشروع الطموح x10 دبي، فقطر تعي جيدا أن الإمارات والسعودية خسرتا كثيرا في اليمن من خلال الحرب مع الحوثيين وتحاولان تعويض خسارتهما الآن بجلب العديد من الاستثمارات الضخمة والأجنبية وخلق الثروة وتحسين مناخ الأعمال كي تحافظان على الصدارة في المشهد الخليجي بصفة خاصة. أما صراع قطر الخفي مع الدول الأجنبية فهو بالدرجة الأولى صراع القيم وصراع الحضارات، صراع بين قيم الإسلام المعتدل المبني على التسامح و التضامن و الايخاء و المحبة و التعاون والتطوع وفعل الخير وبين الغرب المتسم بقيم الفردانية والنزعة الشخصية وقيم حب الذات بشكل كبير فالدول الغربية تخاف على مواطنيها من اعتناق الإسلام والتمسك به ومعرفة حقيقة الإسلام والمسلمين وقيمهم لأن هذا يعتبر تهديدا لها خاصة بعد رجوعهم لأوطانهم الأصلية قد يشكل ذلك اعتناق الكثير من الأجانب الإسلام والدخول فيه وخاصة بعد فهمهم لحقيقة الدين الإسلامي ومرتكزاته، وبالتالي تحاول الدول الغربية اليوم التشويش على المونديال بكل ما يتاح لها من قوة سواء من خلال الإعلام الذي يعتبر القوة الناعمة أو من خلال حقوق الإنسان وتصنيف قطر أنها دولة تنتهك الحريات الفردية.
إن قطر واعية اليوم أشد الوعي من أي وقت مضى بأن مونديال قطر هو الفيصل بين قطر ما قبل المونديال وقطر ما بعد المونديال لهذا تحاول قطر اليوم بكل ما أوتيت من قوة أن توظف جميع إمكانياتها المالية و اللوجستية القوية وقوتها الناعمة الجزيرة بكل قنواتها العربية والإنجليزية بالإضافة إلى الفنانين العالميين و المؤثرين لكسب رهان نجاح المونديال الأول من نوعه في المنطقة العربية ويمكن اعتباره الأخير على المستوى المنطقة العربية في مواجهة الغرب الذي يشن حملاته الصليبية في صيغتها الجديدة. إن الغرب متيقن أن قطر تحاول أسلمت المونديال وهذا ليس في صالحه وهذا سيزيد من نسبة المسلمين في أوروبا وبالتالي فهو يحاول جاهدا التشويش على المونديال بكل الطرق، ضف على ذلك أن بعد نهاية المونديال وإعلان الفائز وربما قبل ذلك سيبدأ العد التنازلي لإطلاق الحملات التبشرية بالنصرانية واليهودية وهذا كله من أجل الحد من سيطرة الإسلام في أوروبا، واحتمال أن يتعرض الإسلام للتشويه باعتباره دين رجعي لا يواكب التطورات الحاصلة في العالم كل هذا من أجل إحداث فوضى خلاقة هدفها وقف زحف الإسلام في أوروبا و أمريكا و أمريكا اللاتينية وآسيا. إن قطر عرفت كيف تقفز إلى قاطرة المستقبل واختارت التوقيت الصحيح لذلك فبعد نهاية المونديال ستقوم قطر بالتبرع بكراسي الملاعب للدول النامية و الفقيرة لتطوير بنيتها التحتية في المجال الرياضي جميل جدا ولكن ليس بدون مقابل هناك دائما مقابل لكل شيء والأيام القادمة ستبرز ذلك، بالمقابل ستشهد المنطقة مرور المشروع الضخم الصيني طريق الحرير المشروع الذي أطلقه الرئيس الصيني سنة 2013، وبالتالي ستحاول قطر بكل الطرق أن يكون لها موضع قدم في المشروع الجديد كي تلعب دور الوساطة بين آسيا و الشرق الأوسط بدل الإمارات كل هذه الأمور وغيرها فالزمن كفيل بتوضيحها وشرحها ويبقى الاستثناء القطري هو المستفيد الوحيد من هذه اللعبة إذا وظف شروط اللعبة لصالحه فتصبح قطر ذلك الرجل الذي يمشي برجلين الاغتناء الداخلي يوسع التوسع الخارجي والتوسع الخارجي يغدي الاغتناء الداخلي ويرفع الدخل الفردي للمواطن القطري ويساهم في رفاهيته.
*خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير