من المؤكد، أن الهجرة غير النظامية تمثل اليوم تهديدا هائلا للتعاون الإقليمي و الدولي، فالجهود اللازمة للسيطرة على تدفقات الهجرة قد تتجاوز قدرات الدول بمفردها، وما يزيد من حدة أزمات الهجرة غير النظامية في المنطقة اليوم، سعي دولة في جوار المغرب لتحقيق أهداف جيو- سياسية كونها لا تتقاسم نفس الانشغال و الفهم المتبادل مع دول الفضاء الأورو – متوسطي، ولا تولي اهتماما لمخاوف دول المنطقة بخصوص ملف الهجرة، بحكم حدودها مع دول رخوة أمنيا و هشة اجتماعيا و اقتصاديا، فضلا عن شبكات الاتجار بالبشر التي لا ترحم و تستغل الوضع من أجل تحقيق الأرباح، وهذا يحصل باستخدام مهاجرين شرعوا في رحلات خطرة للبحث عن حياة أفضل و للحصول على الحماية من أوضاع سياسية أو مناخية أو أمنية صعبة في منشئهم وجعلهم أدوات للمساومة و الضغط دون اعتبار لسلامتهم.
فالمشكلة اليوم لا تتعلق بالتوقع و إدارة تدفقات الهجرة العفوية، وإنما هناك أنماط عملياتية كبيرة و مفاجئة للهجرة تقع بفعل تمكين شبكات الاتجار في المهاجرين أو تركها تتحرك بحرية، دون اعتبار للمسؤولية و للالتزامات القانونية و الواجبات الأخلاقية.
الجزائر لطالما نصبت نفسها كشريك وحاضنة للمليشيات الانفصالية التي تهدد السلم و الأمن في المنطقة عبر الانطلاق من التراب الجزائري. اليوم هناك معطيات موضوعية بخصوص شبكات التهريب و شبكات الاتجار في البشر التي تعبر الحدود الصحراوية للجزائر بسهولة وتعطي الفرصة للأطراف السيئة.
تشعر المملكة المغربية، بحكم موقعها الإستراتيجي ولكونها بلد عبور ومقصد بشكل مباشر، بالتحديات التي ترافق تدفقات المهاجرين، واستجابة المملكة المغربية لملف الهجرة تركز بالأساس على منع الخسائر في الأرواح بالبحر الأبيض المتوسط و المحيط الأطلسي، وسجل المملكة مليء بجهود إنقاذ أرواح مواطنين أفارقة ومن جنسيات مختلفة وإغاثتهم في عرض البحر، و هذا يتطلب سرعة وكفاءة وجهدا بشريا، لوجيستيا، تقنيا، أمنيا وماليا. وتقوم الاستراتيجية المغربية للهجرة و اللجوء المعتمدة سنة 2013 على ركائز أساسية تتعلق بالعمل الإنساني و الإغاثة و الإدماج و الإجراءات القانونية و الإدارية، و اليوم هناك انخراط إيجابي للمواطنين الأفارقة في النسيج المغربي و مساهمتهم في قطاعات حيوية كالتعليم و الصحة و الهندسة و الفن و الرياضة وغيرها. وفي إطار الإستراتيجية المذكورة تمت تسوية وضعية 50 ألف مهاجر من دول إفريقية و شقيقة، وهذا له أثر إنمائي على بلدانهم بواسطة تحويلاتهم المالية لأسرهم ومساهمة في الاستقرار.
المملكة المغربية نتيجة علاقاتها التاريخية و الاستراتيجية مع بلدان المنشأ و بلدان الوجهة وشعورها بالالتزام فإنها تقوم بجهود إنسانية و قانونية وتنموية مشهودة وبحصيلة مرقمة، وعلى هذا الأساس، فالمملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله رائد الاتحاد الإفريقي في مسألة الهجرة، تقوم بالاستثمار في عدد من البلدان الإفريقية كمساهمة في تعزيز المشاريع السوسيو – اقتصادية بالقارة وتحتضن المرصد الإفريقي للهجرة، و في إطار التعاون الدولي متعدد الأطراف فالمملكة المغربية ترأست المنتدى العالمي للهجرة و التنمية 2017-2018، كما احتضنت النقاش الدولي الذي أفضى لتبني ميثاق مراكش العالمي للهجرة في إطار المساهمة المغربية النشطة في جهود الأمم المتحدة على هذا المستوى، إضافة إلى أن المملكة المغربية تواصل القيام بمناقشات مع شركائها الأوروبيين حول الحقائق الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية للهجرة، وتحيين الطرق و المناهج لاستيعاب التحولات في المستقبل وإدارة التحديات الحدودية بمنطق يعتمد على قاعدتي التناسب و الضرورة.
من الصعب التنبؤ بعواقب اندفاع المهاجرين غير النظاميين، لأنها تتقاطع مع مخاطر أخرى مسبقا في محيط إقليمي يشهد تحولات واضحة في العوامل التي تتحكم في توجيه تدفقات المهاجرين في ظل غياب جهد دولي موحد لمعالجة الأسباب المؤدية للهجرة و بناء أرضية مشتركة لمسارات الهجرة الآمنة وتقاسم أعباء المشاكل الناجمة عن طفرات الهجرة غير النظامية.
*رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية