ابراهيم الكلعي
إن قادة العالم اليوم تدور مناقشاتهم حول استراتيجيات إدارة الصدمات المستقبلية الناتجة عن تعددية الأقطاب والتوزيع غير العادل للموارد والقوى الدوليين.
فرغم الدور الذي لعبته التجارة الإلكترونية والدعم الحكومي للفئات المتضررة في التخفيف من الآثار السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، فإنه ما إن بدأ الخبراء الاقتصاديون الدوليون في بناء التوقعات حول العقد العالمي الجديد الواعد بحياة أكثر تقدما وازدهارا واخضرارا لما بعد كورونا، حتى جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتنسفها من جذورها وتعيد أشد الاقتصاديات العالمية صلابة إلى تذبذبها الأول.
إذ خلقت هذه الحرب أزمة دولية حادة في إمدادات الغذاء والأسمدة والطاقة، انعكست بسرعة قياسية على أغلبية البلدان، حتى في تلك التكتلات التي تسودها حالة من التعاون والتضامن (أوروبا).
بخصوص أزمة إمدادات الغذاء، خاصة الحبوب والزيوت النباتية، التي ذكرت العالم بالارتفاع المهول في أسعار القمح بأمريكا الشمالية إبان حالة الكساد الكبير الذي عرفته الولايات المتحدة الأمريكية وامتد إلى سياستها التجارية وعلاقاتها الدبلوماسية رغم استفادتها من نتائج الحرب العالمية الأولى في غزو الأسواق الخارجية.
إن القيادة الروسية لم تكن غبية أو متهورة حين هاجمت عسكريا أوكرانيا، التي تعد خامس مصدّر للقمح الذي تتربع على عرشه روسيا نفسها وأول مصدّر للزيوت النباتية، فهي كانت تعي جيدا أن أزمة القمح والزيوت وحدها قادرة على الدفع نحو تشكيل قطبية جديدة تتشكل على الأقل من 15 دولة الأكثر استيرادا لهاتين السلعتين الاستراتيجيتين.
يكفي أن نذّكر القراء الكرام ببعض الحصص السوقية العالمية لأوكرانيا خلال سنة 2020: الذرة 16 %، القمح 12 %، الحبوب 8 %، الشحوم الحيوانية والنباتية 6 %. وإن أبرز الشركاء التجاريين لها خلال نفس السنة هم على التوالي الصين وألمانيا وبولندا وروسيا برقم معاملات وصل 37.4 مليار دولار حسب وزارة الزراعة الأمريكية، أضف إليها أن أوكرانيا تتصدر عالميا إنتاج الزيوت النباتية برقم معاملات وصل 8,5 مليار دولار خلال سنة 2021.
وأما بخصوص الصادرات الروسية فأبرز حصصها في السوق العالمية خلال سنة 2020 فكانت كما يلي: 18 % من القمح، 17 % من الغاز، 12 % من النفط، 20 % من الأسمدة. برقم معاملات وصل 215 مليار دولار، أضف إليها أن روسيا هي المزود الرئيسي لعدد من المواد الخام والسلع الأخرى عالميا: معدن البالاديوم 45 %، معدن البلاتينيوم 15 %، الذهب 9 %. كما أن روسيا كانت تزود أوروبا ب 2,3 مليون برميل يوميا من النفط.
وأما من حيث تأثير كل ما سبق على الوضع الاقتصادي للمغرب، فإنه ألحق أضرار بالغة على عليه منذ الأشهر الأولى للحرب، خاصة أنها تزامنت مع أسوأ موسم جفاف تعرفه البلاد منذ 30 سنة، إذ سرعان ما بدأت أسعار المواد الغذائية والمحروقات في الارتفاع وتتناقص معها القدرة الشرائية للمواطنين، وترتفع معها مستويات التضخم لتصل إلى 7,9 % حسب تصريح وزيرة الاقتصاد والمالية. كما عمدت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط إلى بيع 50 % من المركب الصناعي للأسمدة بالجرف الأصفر لإحدى الشركات الأمريكية، الذي يعتبر أكبر منصة في العالم لإنتاج الأسمدة الفوسفاطية، ورغم تحقيق المجموعة الأم (OCP) لرقم معاملات بلغ 84,3 مليار درهم خلال سنة 2021، بزيادة 50 % مقارنة بسنة 2020، ورغم ارتفاع تحويلات مغاربة الخارج خلال سنة 2021 إلى 93,7 مليار درهم، ورغم وصول عائدات الصادرات إلى 65,8 مليار درهم فإن العجز التجاري تفاقم ليصل إلى 198,6 مليار درهم؛ أي 15,5 % من الناتج الداخي الإجمالي بدلا من 13,9 % خلال سنة 2020 ، إذ لجأت الحكومة إلى اقتراض 500 مليون دولار كشطر أول من البنك الدولي للحد من تأثيرات صدمات جائحة كورونا والتضخم والجفاف وتغير المناخ على الاقتصاد المحلي.
إن كل ما سبق يحتم على السلطات في المغرب – حسب تقرير والي بنك المغرب- توفير الرؤية اللازمة لتحفيز المستثمرين وتعزيز الانخراط في القرار العمومي، والشفافية في اتخاذ القرار والتواصل بوضوح حول الاختيارات المعتمدة والتقييم المنتظم والموضوعي لتنزيلها، خاصة في الأوراش العمومية التي توجز قيد الإنجاز ولا تأخذ في عين الاعتبار هذه المتطلبات بالشكل الكافي، بغية الحد من الضغوط الخارجية والإكراهات الداخلية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب والمغاربة.