الوضع الأمني في سوق الأربعاء

أسامة الصغير

من أسباب نُزول هذا المقال أننا على أبواب رمضان الكريم، حيث يَنْهَمِكُ كلُّ ذي أمر في التحضير والاستعداد. كما هو معلوم، فإن هذا الشهر يَشهد ارتفاعا قياسيا في مُؤشِّر الجريمة بالمغرب لأسباب كثيرة، ذلك أن مدينة سوق الأربعاء تنالُ حَظَّها من هذا الارتفاع السلبي. هي بلا شك مُعْضِلَةٌ مُرَكَّبة، تَجْمَعُ الذاتي والموضوعي معا. مثل كل قطاع مهني، فإن مهنة الأمن محليا تبقى عسيرة، ويَلْزَمُها عملٌ مُلِحٌّ. كما أن غياب حلقة التواصُل بين جسم الشرطة والمواطن يَخلُق فراغاً تتنامى فيه الأحكامُ الجاهزة والكليشيهات، ممّا يُوَتِّر العلاقة بين الطرَفَين ويُغَذّي سوء الفهم المُتبادَل.
ملاحظة أولى، يبدو واضِحاً أن الأداء الأمني في سوق الأربعاء قد تحسّن بكثير خلال السنوات الأخيرة قياسا إلى ما كان معهودا لعقود، سواء على مستوى أداء العُنصر الأمني بكامل مُستوَياتِه ورُتَبِه، أو على مستوى البنية المُؤسَّسِية، علما أن عقليةَ الطابور الخامس المُتَخَلِّف عن الرَّكب المُؤسَّسِي لا تزال تَتَكَشَّفُ في بعض المواقف والحالات المَعِيبة، لكن الاستثناءَ لا يُقاس عليه. كما لا خلاف أن العميد السابق لمفوضية سوق الأربعاء السيد مراد المسكيني كان قد بَلغ ذروةَ تجويد صورة المُؤسَّسة الأمنية في علاقتِها المباشرة والدَّؤُوبة مع المواطن المحلي، وبخاصة مع اتحاد جمعيات المجتمع المدني الذي كان يَنتظم في اجتماعات شهرية بمقر المفوضية للمُشارَكة في مناقشة الشأن الأمني وإبداء وجهة النظر والاقتراحات وتأمين مختلف أنشطتِه الكُبرى بروحٍ من المواطَنة والأَنْسَة، وكان حاضِراً في مختلف المناسبات الأمنية.
انطلاقاً من المُؤشِّرات الميدانية، فمدينةُ سوق الأربعاء تَعرف تَمَدُّداً عُمرانيا ملحوظا من جهاتِها الأربعة، سيما بعد تصميم التهيئة الحضرية الأخير، كما أنها تُعْتَبر بؤرةَ التقاء مئات المواطنين العاملين فيها بشكل يومي والوافِدين إليها لأغراض مختلفة من الحِزام القروي المُحيط بها، وهو ما يَرفَع الكُلفة الأمنية ويَكشف الخَلَلَ البنيوي الواضح على مستوى الموارد البشرية والمستوى اللوجستيكي. بحيث إن مختلف مصالح مفوضية الشرطة تُواجِه النقصَ العدَدي البَيِّن من حيث العنصر البشري، خصوصا على مستوى الدوائر الأمنية، فهذه الأخيرة تَضُمُّ عددا محسوبا على رؤوس الأصابع من المُوظَّفين الشُّرطيين في مختلف الرُّتَب الإدارية والانتماءات الوظيفية. إذْ إن هذا الخصاص يتجلّى بشكل حَرِجٍ عند تأمين ساعات الاستمرارية، بحيث قد لا يتجاوز عددُ أفراد الديمومة 3 عناصر أخذا بعين الاعتبار ضرورةَ الإبقاء على شرطي بشكل ثابت بمقر الديمومة من أجل تلقّي بلاغات المُرْتَفِقِين. هذا الخصاص البشري يُنْتِجُ بالضرورة ضغطا في ساعات العمل الإضافية غير المُؤدَّى عنها، مِمّا يَتَرتَّبُ عنه مُضاعَفات نفسية وبدنية على العناصر الأمنية، بالتالي التأثير على جودة الأداء الأمني الذي ما فَتِئَتِ المُؤسَّسة الأمنية الوطنية تدعو إليه وتُلِحُّ عليه.
أما بخصوص البنية اللوجستية، فهناك نقصٌ بالغ في أسطول السيارات والدراجات النارية التي لم تعد تعمل بعد وفاة أحد رجال الشرطة من أصحاب الدراجات، فقد كان ثانِيَ اثنين إذً هُما في مدينة يَبلغ عددُ سُكاَّنها حوالي 80 ألف نسمة بناءً على الإحصاء الأخير للمندوبية السامية للتخطيط، كما أن فريق الديمومة يكون مُزَوَّدا بسيارة وحيدة وجهازٍ لا سلكي وحيد للتنسيق مع قاعة التواصُل. في ظل هذا الوضع المهني الصَّعب، تبقى الحاجةُ ماسةً لتعزيز الموارد البشرية، خصوصا على مستوى الدوائر الأمنية الأربعة المُحْدَثة مُؤخَّرا، علما أن واحدة منها، بل أهَمُّها لم تُدَشَّنْ إلى الآن مما يجعلُها عُرْضَةً للإهمال والاتلاف، مع أهمية توفير فئة شرطة الصُّقور الدَّرَّاجين، بينما يبقى المطلبُ الأهم هو الارتقاء بمفوضية الشرطة إلى مستوى منطقة أمنية، ذلك أن المفوضيةَ بشُروطِها الراهنة تحملُ وِزْراً أمنيا يُضاهي منطقةً أمنية.
واستحضارا لاستقبال الشهر الفضيل حتى لا تَرْتَجَّ المدينةُ من أهوال فظاعات الجريمة والناسُ صيامٌ، فإن هناك بُؤَراً يُستحسَن أن تَتَواجد بها وحدةُ تدخُّلٍ أمنية خلال وقت الذّروَة في ساعات ما قُبَيل موعد اذان المغرب، سيما على مستوى السوق المركزي وسط المدينة، ومُلتقى الطُّرُق الأعلى بالشارع الرئيسي لحي السلام. بينما يُرجى تكثيف الدورِيات الأمنية في مناطق الخلاء الفاصلة بين أحياء المدينة حيث تعرف حركةً مرورية قوية عند الليل، خاصة على طول خط السكة الحديدية و ما بين حي السلام وحي هند حي الفتح بما أنها مناطقة عبور خالية ومُظْلِمة، وتأمين فًسحة الناس ليلاً في ساحة حي هند والحي الصناعي إذ تُعتبر منطقة تجمُّع ملحوظ خلال الشهر، والتصدي الصارم لأصحاب الكلاب والدراجات الذين يَعيثُون تَرْوِيعاً بين الناس. ولا شَكَّ أن الجِدِّية والسَّمْتَ الحَسَنَ الذي يَتمتّع به العميد الإقليمي رئيس مفوضية سوق الأربعاء السيد فريد عزاوي له أثرٌ حميد على الأداء الأمني محليا إلى حدود الآن، ونموذج ذلك على سبيل المثال تدبيرُ فترة احتفالات رأس السنة التي أَثَبَتَتْ نَجاعَتَها ولاقتْ استحسانَ الساكنة المحلية، وهي مناسبةٌ لتقديم وافر الشكر للعناصر الأمنية التي واجهتْ بردا شديدا ليلةَ رأس السنة الأخيرة وسهرتْ على السير العادي للأجواء في مختلف شوارع وأحياء المدينة، بينما كان الناسُ مُجْتَمِعٍينَ بين دِفْءِ المنازل ولَمّةِ العَوائِل. فتحيةٌ لكل عنصر يَرقى بالواجب الوطني والمهني ويَحْفَظُ شُعْلَةَ الضمير.