اليوم الأربعاء 8 مارس عيد أخواتي في التأنيث ، والأصل أن ابتهج وأسعد بالتبريكات والورود ومقاطع غنائية حبا وتقديرا للمرأة ، تلك التي تلقيتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذا الصباح من قبل أصدقاء لي ذكورا وإناثا ومنظمات وهيئات ….لكني -على غير العادة – لم أجد في دواخلي ذلك الوهج للتفاعل الدافئ معها ….
لا ، لست جاحذة ولا أسعى لأكون حالة خاصة ، فالأصل في، كما في كل امرأة اصيلة أن ترد الود بالود والمجاملة بالمجاملة ، والهدية بالشكر .
عذرا ، فمحطة اليوم عندي هي محطة تقييم أولا …قبل ان تكون محطة احتفال ، لذلك تضيع مني غلالة الحبور وتنفلت مني حزمة التفاؤل ، ليس فقط بسبب الكثير من حقوق بنات جنسي في هذا الوطن و التي ما تزال عالقة ، رغم مسار من الإصلاحات فاقت العشرين سنة ( أمية .فقر .هشاشة .حكرة زوج متعنت.ورب عمل متسلط …) فضلا عن عنف بصيغه المتكاملة ولا عجب ! أذكر منها مثالا لا حصرا العنف الالكتروني …ولعل التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط فيه من الأرقام الصادمة التي تكرس للذي قلناه ( قرابة 1.5 مليون امرأة هن ضحاياهذا العنف) …
حتى اذا ما تجاوزنا لغة التقارير ، لن تعوزنا الامثلة من صور الواقع ، لتؤيد هذا العزوف عن الاحتفال … صور كثيرة أحيلكم على واحدة منها فقط، مما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا …صورة تلك المرأة الحامل على وشك الوضع من ضواحي ورززات ..والمحمولة على أكتاف رجال الدوار ليتم نقلها الى المستشفى خارج الدوار ، كيف ؟
مشيا على الأقدان فوق كثبان ثلوج كثيفة …فإلى متى نراهن على صبر وجلد وتآزر ساكنة المغرب المنسي و مغرب الهوامش؟
هي حالة من حالات نساء عمق جغرافية وطني ، نساء بعناوين قصص موجعة ومخجلة! بعيدا عن نساء المدن الكبرى والصالونات المكيفة …
قلت ،تضيع مني غلالة الحبور … لا تأثرا بالكثير من الحقوق النسائية العالقة فقط ،بل لأن الثامن من مارس لهذه السنة ، يأتي في سياق استثنائي دوليا وإقليميا ….والمغرب كسائر الدول يعيش دينامية على مختلف الأصعدة ، يهمنا منها اليوم تلك الدينامية المرتبطة بموضوع المرأة ولا سيما مدونة الأسرة والتعديلات المرتقبة عليها …والتي أفرزها واقع الممارسة.
هذا التعديل ، هو _ ولا شك _ ورش مفتوح صار حديث معظم الفضاءات والصالونات والهيئات الحزبية والمدنية …، إذ لا شيء يعلو على صوت ” المدونة” ” فهل يا ترى كل نساء وطني على علم بهذا الوش …؟ هل لهن باب المشاركة ، و ابداء الرأي فيه ؟
لا جواب قطعي ، لأن الامية والهشاشة ، ومستوى الوعي ، ولقمة العيش الحارة.. ووتيرة الحياة المشرعة ….تجعل ثلة من اخواتي في التأنيث غائبات كرها وطوعا عن مثل هذه النقاشات… نقاشات النخبة طبعا.
طيب ، هل يا ترى كل تنظيماتنا السياسية والمدنية تدندن على إيقاع واحد في هذا الورش ؟
من وحي الواقع والممارسة والمرجعيات المؤطرة ….أؤكد ” لا ” …وهذا فيه حسنات لأن الاجتهاد مفتوح على وعي متنوع …لكن الذي نستنكره بصوت عال هو تلك الدعاوى والصيحات لبعض الجهات المعزولة ، المنادية بالمساواة في الإرث خروجا على الاجماع الوطني والثوابت الدينية والدستورية للمملكة ، وتجاوزا للإطار الذي يحدده جلالة الملك أمير المؤمنين الذي أكد على ضرورة احترام النصوص القرآنية القطعية.
وما نستنكره بالتبع أيضا ، استيراد قوانين واستنباتها قصرا في بنية المجتمع … لتاتي على ما تبقى من عضد الأسرة المغربية من قبيل ” تجريم العلاقات الرضائية ” و أيضا ما يصطلح عليه “بالتحول الجنسي ” …
فهل هذا منطق إصلاحي للأسرة بأطرافها جميعهم : المرأة و الرجل و الأبناء ام منطق تخريبي يدعو للقلق والخوف على مآل هذه الاسرة ليس إلا ؟!
من مصلحة من هذه الدعاوى ، وهذه الاجتهادات !؟أو ليست هذه الدعاوى شوكة في ناصية الدستور المغربي، الذي يقر في الفصل 32 بأن ” الاسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الاساسية للمجتمع ” أو ليس الزواج الشرعي المقصود_ كما تربينا عليه _ وتعلمنا أصوله من اساتذتنا … هو الزواج كما بينته مدونة الاسرة في المادة 4 منها ، من أنه ميثاق تراض وترابط شرعي بين الزوجين على الدوام ، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء اسرة مستقرة.
وعليه ، أصرح أمام كل ذي لب في هذا الوطن كما سبقني الكثيرون من عقلاء وحكماء هذا الوطن : ” اي تعديل مرتقب لمدونة اسرتنا المغربية يجب ان يحرص على حفظ الاصول والقواعد الكلية لكل من الرجل والمرأة في ظل مؤسسة الأسرة واستقرارها ، وأي اجتهاد في تعديل مدونة الاسرة ينبغي أن يتم في ظل مقاصد الشريعة الاسلامية ….”
من هذا المنطلق ، لنا الثقة في كل حكماء الوطن ومثقفيه ، واهل الشرع كي ينبروا ضد هذه الدعاوى الغريبة والمستهجنة .
وبالجملة ، إن أي استدعاء للمرجعية الكونية لحقوق الإنسان في مواجهة المرجعيات الدينية والدستورية لبلادنا هو خطأ منهجي فادح_ على حد تعبير _ رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية .
لذلك ، نراهن جميعا على عقلاء الوطن وعلمائه ومثقفيه وعلى الإعلام المحايذ ، وعلى التنظيمات النسائية الجادة التي تشتغل ضمن الثوابت الأربعة للوطن ( المرجعية الاسلامية الملكية .الدستور. الخصوصية المغربية) كي لا نخلف موعدنا مع النضال الجاد والاجتهاد الرزين من اجل عدم المساس بالأسس .
نضال ، غايته الحفاظ على هوية اسرتنا ، بما يحفظ كرامة المرأة والرجل معا ، دون جور او تحايل ….
وفي سياق ذي صلة ،و في هذا اليوم التقييمي ، إن كنت لأنسى فلن أنسى أن أستفسر نيابة عن العديد من النساء، الحكومة المغربية عن السبب وراء التأخر في إخراج “هيئة المناصفة وكل أشكال التمييز ضد المرأة”..و”المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة لحيز الوجود …”؟
أو ليست هذه الذكرى مناسبة سانحة لهكذا هدية للمرأة وللأسرة المغربية معا؟!
أو ليس التسريع بعملية صرف الدعم المباشر للأسر المعوزة لا سيما في ظل استمرار موجة الغلاء ، هدية ثمينة تبدد الحزن الجاثم عليها في هذا العيد الأممي؟!
أسئلة ، سأترك للحكومة فرصة تحرير أجوبتها على أرض الواقع ، وحتى ذلكم الحين ، شكرا لمن اهدانا الورود و الشوكولاطة ، وشكرا بنكهة تقدير عالية لمن أنصت لنبض نساء المغرب في القرى والمداشر كما في المدن والصالونات والحدائق والمتاجر .