رضا سكحال
اعتقد سكان مدينة سيدي سليمان حين تم إعلانها إقليما ترابيا لجهة الرباط سلا القنيطرة أنها خطوة أولى نحو الازدهار والتنمية، إذ سترخي بظلالها على المدينة المنكوبة سياسيا والمعطوبة اقتصاديا والمهمشة اجتماعيا، خاب الضن بعد مرور سنوات خلت، إذ ما تزال دار لقمان على حالها، والحال لا يسر قريبا ولا بعيد.
سيدي سليمان مقبرة الأحياء، وعجلة تسحق الأحلام وتشيع الأمل لمثواه الأخير، لا فرص للشغل داخلها، ولا تنمية حقيقية تراعي نسمتها السكانية، ولا متنفس أسري يذكر، ما عدا نافورة بالقرب من متجر “la belle vie”، والتي يقصدها أطفال المدينة الفقراء لمقاومة الحر صيفا في غياب أدنى مسبح يراعي جيوب الفقراء، وللأمانة أيضا يستغلها أيضا صاحب مقهى نافذ لتنظيف المقهى الخاص به في إطار الاستهلاك والترشيد المعقلن للماء، خصوصا مع فترة الجفاف.
إنه غيض من فيض حول مدينة استحقت أكثر مما قدم لها، والحقيقة أنه لم يقدم لها شيء حتى نذكره، بنية تحتية كارثية، واد برائحة كريهة تقتحم المنازل دون استئذان، تصيبك بالغثيان كأن جسمك أصيب بتسسم، “واد بهت” الذي ينتظر التفاتة وعطف مسؤولي الإقليم حتى يتوقف عن الاستغاثة عبر رائحته.
أما المستشفى الإقليمي، فهو شبيه بساحة الحرب “بدونباس”، يخال لك أنه تعرض لقصف عشوائي بصواريخ “حلف الناتو”، مستشفى عاجز عن توفير الخدمات الصحية للمرضى، لو حدث وزاره رئيس منظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم غيبريسوس” لكتب وصية انتحاره فورا، ولولا جهود بعض الأطباء والممرضين مشكورين بذلك، لما وجد المواطنون أدنى رعاية.
إنها مدينة سيدي سليمان ملهمة الاستعمار الفرنسي إبان عهد الجنرال اليوطي، سيدي سليمان التي نعتها سابقا بباريس الصغيرة “petit Paris” لما اكتسته من أهمية من الناحية الفلاحية، سيدي سليمان التي كانت تنتج السكر عبر معملها الشهير، والراعي الرسمي لإنتاج الليمون، قبل أن يغلقوا معملها وييتموا ليمونها…ويحرموا ساكنتها من أي فرص للعمل.
هناك بسيدي سليمان حيث لا معامل ولا فرص عمل، هناك حيت ساهم تضارب المصالح السياسية في حالة من الركوض الاقتصادي، سياسيون يحملون نفس الأسماء مع تبادل الأدوار في إطار الترفيه عن ساكنة المدينة، ينطبق عليهم مثل أبي الحواشي البلاليطي: “إن تجديد الثقة بالمنتخبين حكمة لا يعلمها إلا الله وإن وعودهم ستتحقق إن لم يكن في حياتهم وحياتك فعلى أيام أبنائهم وأبنائك”، لذلك أوصوا أبناءكم أن يحكوا لكم عن أبنائهم.
لقد ساهم المجلس البلدي بمدينة سيدي سليمان في تعميق أزماتها، إذ لم يسجل له ولم يحسب له أن جلب استثمارا واحدا للمدينة، حتى الطرق يخال لك أنها مصابة بمرض الثعلبة لكثرة حفرها، وعمالة عوض أن تمارس مهامها وفق للقانون المخول لها، تضطر في كثير من الأحيان للتدخل لإصلاح ذات البين بين المنتخبين، كأننا انتقلنا من دولة المؤسسات نحو برنامج “الخيط البيض”، كما تضطر للتدخل كذلك لتفادي “البلوكاج” حفاظا على السلم الاجتماعي.
هذه نبذة صغيرة عن مدينة بطموحات كبيرة، بأحلام كثيرة، بها الأماني جريحة تنتظر في غرفة الإنعاش وهي تستغيث، فهل من منقذ؟
انتهت حلول الأرض، الأمر الآن متروك للسماء، عسى أن تحدث معجزة ما.