برعلا زكريا
ليس هناك أبشع من أن تستيقظ في جوف الليل بسبب رائحة خانقة !
ذلك ما يعاني منه حرفيا سكان القنيطرة بسبب تلوث الهواء الذي بلغ مستويات خطيرة بشهادات الساكنة من مختلف أحياء عاصمة الغرب.
ففي ظلام الليل، تتسلل غارات التلوث لتحاصر المدينة، وعلى مرأى العين لا يصعب مشاهدة سحب سوداء منبعثة من المصانع أو مطرح النفايات أو المحطة الحرارية، حيث تتعدد عوامل المعاناة والألم.
هذه الغارات الصامتة التي لا تشبه غارات الحروب العسكرية، بل قد تكون أشد فتكا وأكثر خطورة، تنهال على المدينة بوابل من السموم والغازات المضرة.
تتحول ساعات الليل إلى معركة صامتة يخوضها سكان المدينة ضد التلوث، حيث يستغل مصدر هذا الدمار الصمت والظلام ليطلق سمومه بشكل مكثف لتكون الرائحة القوية شاهدا على استهداف رئات سكان القنيطرة.
ومع خيوط الصباح الأولى تنكشف فظاعة هذه الجريمة البيئية، حيث تستيقظ المدينة على رائحة كريهة تخنق الأنفاس. يخرج الأطفال إلى مدارسهم والناس إلى أعمالهم، محاطين بسحابة من الغازات السامة التي باتت علامة مميزة للمدينة، حتى غابة المعمورة أصبحت عاجزة عن تنقية الهواء والتخفيف من وطأة هذا التلوث المرعب.
وما يزيد الطين بلة هو موقع المدينة نفسه على ضفاف نهر سبو وبالقرب من البحر، حيث يتحول الضباب إلى كيس يحبس الغازات السامة، مخلفا بيئة مثالية للتلوث.
وكل وافد إلى المدينة لابد أن تستقبله هذه الرائحة التي أضحت أشبه بعلامة مميزة، كما أنها تختفي كلما ابتعدت عن المدينة.
الأرقام والحقائق تزكي مخاوف القنيطريين. فعيادات أطباء الجهاز التنفسي تعج بالمرضى وكذلك شهاداتهم كون تلوث المدينة هو السبب الرئيسي، ناهيك على أن انتشار أمراض الربو والحساسية أصبح واقعًا مريرًا يعيشه الصغار والكبار على حد سواء، فكل نفس يؤخذ في المدينة هو نفس مثقل بالسموم.
ويكفي إلقاء نظرة على مختلف صفحات التواصل التي تضم القنيطريين لاكتشاف مدى غضب ومعاناة السكان، ومنهم من يتعجب من صمت المتسببين في هذه الكارثة البيئية، ومنهم من يطلق نداء استغاثة عسى أن يصل للمسؤولين عن الصحة العامة.
صرخات القنيطريين أسفرت سابقا عن إطلاق حملات احتجاجية، منها حملة “تخنقت” بسبب الغبار الأسود، كما أن تحاليل مخبرية سابقة كانت قد كشفت عن ارتفاع في معدلات مواد خطيرة منها ثاني أكسيد الكبريت.