شهر رمضان هو موسم العبادات، وهو وقت القربات، فيه يتنافس الصالحون، وفي ميدانه ومضماره يتسابق المتقون ، لينالوا بذلك جزيل العطايا، وكريم المنازل عند رب العالمين ، ويرافق الصيام عدد من العبادات التي يحرص المسلمون على أدائها في رمضان، ومنها عبادة الصدقة، التي ينبغي الحرص عليها في هذا الشهر الفضيل، وأن يكثر التنافس فيها، فهي من أعظم أسباب فكاك النفس من قيد الشيطان وإخراجها من سلطانه، لأن الصدقة يقصد بها ابتغاء مرضاة الله، والشياطين تحاول منع الإنسان من نيل هذه الدرجة الكبيرة.
قال الإمام الماوردي رحمه الله: “على الناس أن يكثروا من الجود والإفضال في شهر رمضان؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح من بعده، ولأنه شهر شريف قد اشتغل الناس فيه بصومهم عن طلب مكاسبهم، ويستحب للرجل أن يوسع فيه على عياله، ويُحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه، ولا سيما في العشر الأواخر منه”.
ولأن المال مما يطلبه الإنسان ويكدح له، ومما تهواه النفوس، فلا ينفقه إلا من قهر نفسه وتحرر من أغلالها، لهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على عبادة الصدقة عموما وأكد عليها في رمضان خصوصا، لأنها تقضي على أمراض القلب والجشع، وأجرها عظيم، يقول الله تعالى : ” مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء”.
و لقد ضرب لنا رسولنا الكريم أروع الأمثلة في البذل والعطاء في رمضان، كما وصفه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-, ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”، قال ابن حجر: «أجود الناس» أي: أكثر الناس جوداً، والجود: الكرم وهو من الصفات المحمودة، ويقول ابن عمر رضي الله عنه: «ما رأيت أجود ولا أمجد من رسول الله – صلى الله عليه وسلم».
والإسلام أثنى على الأسخياء ومدحهم مدحا عظيما، وبشرهم بالأجر الجزيل لقوله تعالى:”الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ”[سورة البقرة 274 ]، وجعل الإسلام كل ما يقدمه المسلم يجده عند الله كاملا غير منقوص قال الله تعالى:”وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا”[المزمل / 20 ].
وختاما، فرمضان يمتاز بأنه شهر المواساة، والتراحم، والجود، والكرم، والتكافل بين المسلمين، حث الإسلام على الصدقة في هذا الشهر توثيقا لرابطة المسلمين بعضهم ببعض، وسدا لحاجة الفقراء والمساكين.