لجان مباراة التبريز في الترجمة علامات استفهام!!!

*د. عبد العزيز الرغاوي

لسوء التدبير في مجال التعليم وجوه عدة، فبيع شهادات الماستر واستحداث أخرى إرضاءً للعشيقات والأخدان وللأهل وذوي القربي حتى يكون لهم موضع قدم في الجامعة أو في الوظيفة العمومية يدر عليهم لاحقا مرتبا مجزيا ، و مراودة الطالبات على أنفسهن وابتزازهن بالنقط مقابل خضوعهن لنزوة مدرس اذئب مهووس جنسيا، كلها غيض من فيض أوضار التعليم وعفنه وأعطابها المزمنة بالرغم من أن التعليم خليق به أن يظل بمنجى من الشوائب والدنايا لسمو رسالته ونبل غاياته، ولأنه يفترض فيه أن يكون ناقلا للقيم النبيلة والمثل العليا، لكنه تلطخ الآن بكل الأدران وانحط قدره وغدا خلال عقود مستنقعا تعيث فيه الأوبئة والأسقام

ثمة مظهر آخر لهذا الفساد المشين جلي فاقع لونه لا يسر الناظرين ، راعني أول الأمر واستفظعته ، لكنني ثبت إلى نفسي وتابت إلى أناجيها: ” هي الأمور تصرف على هذا النحو، ومالك حول أو سلطان لتغير شيئا فيها ، لا تبتنس يا هذا، ودع الأمور تمضي لحالها كما أريد لها. ” هذا الأمر الذي أحفظني وأثار حنقي هو تكليف أساتذة بعينهم دون غيرهم في لجان مباراة التبريز في الترجمة منذ سنوات وربما يصدق على مباريات التبريز الأخرى، الأسماء نفسها مثبتة كل دورة على محاضر المباراة، وكان لهؤلاء المدرسين كفاية خارقة لا يضارعهم فيها أحد من باقي زملائهم، أصبحت مشاركتهم في هذه اللجان حكرا عليهم لا ينازعهم فيه أي امرىء كان يقبلون من كل فج عميق ويتلقون الأوامر فينفذونها وينالون نظير حضورهم بضع مئات من الدراهم ثم يعودون إلى أهلهم لا يخامرهم أدنى شك في أن مدعوون لأشغال المباراة الموالية لينالوا دراهم أخرى.

أعرف جلهم ولبعضهم منزلة رفيعة في نفسي ولا أحسبهم يمتازون عن زملائهم الآخرين بسعة اطلاعهم وبغزارة معارفهم ولا بأداء مهني استثنائي، بل معظمهم حديثو العهد بحرفة التدريس، فلم يترى يدعون إلى هذا الموعد السنوي على حين يقصى زملاء لهم لهم من الخبرة والحنكة وجودة الأداء المهني ما لا يرتقي الشك إليه من المشرف على دعوتهم وماهي المعايير التي يحتكم إليها ليدعو عمرا ولا يعير اكتراثا لزيد؟ وأنا أرى ومافي نيتي أن أغض من قدرهم أو أن أغمطهم حقهم أنهم مدرسون لا يثيرون نقعا ولا جلبة، يدعون يؤمرون فيأتمرون لاتكاد تند عنهم حركة تململ أو ميل إلى نقاش ينجزون ما يدعون إلى إنجازه مطاطني رؤوسهم وينشؤون تقارير بلغة باردة وسقيمة وينصرفون إلى حال سبيلهم جيوبهم ملأى ببعض حطام الدنيا.

هل المشاركة في أعمال لجان مباريات التبريز تقتضي طرازا لا نظير له من المدرسين، سمتهم الامتثال للأوامر وممالأة من دعاهم إلى “الوليمة” ومحاباته لا يرعوون عن تقديم فروض الولاء والطاعة، فينشأ بيننا مدرسون أدعياء دجالون ديدنهم الخنوع لولي نعمتهم لا يعصون له أمرا لأنه بؤأهم منزلة بغير جدارة أو استحقاق، فإذا كان من أنيطت مهمة تأليف هذه اللجان يحرص كما ينبغي الحرص على قيمة هذه الشهادة وحامليها، فالأحجى به أن يضع نصب عينيه أن ينأى بنفسه عن الشبهات إن كان حسن الطوية وأن لا يجعل هذه اللجان وقفا على زمرة من الأساتذة يستمرنون هذه الحال ويلذون بها فيكفون عن بذل غاية جهدهم للنهوض بأعباء ماكلفوا به، يؤثرون الدعة والخمول يكاد هاجسهم الأوحد نيل تلك الدراهم والانصراف حال سبيلهم.

إن تغيير الوجوه وتعويض أسماء بأخرى من صلب الفعل التربوي السليم، والخلود في المنصب أو في هذه اللجنة أو تلك من أمارات الخطأ والخطل وسوء التقدير والتدبير، فالتغيير يحض المرء على بذل ما في طوقه حتى يظل جديرا بمنصبه، لذا فإن من أوكلت له مهمة تأليف هذه اللجان يتصرف فيما لا يحق التصرف فيه ويقتضي أن يخضع للمساءلة وجرد الحساب ليتبين سداد اختياراته من عدم ذلك وتعويضه هو أيضا أمر محمود يجعل مبدأ التدافع والتنافس لإدراك حظ من الكمال قائما، أما ما يقع منذ سنوات في لجان التبريز فليس مما يسر المدرسين وغيرهم ممن يمثل إنقاد ما يمكن إنقاده من سفينة نظامنا التربوي التائهة انشغالهم الأول.

*أستاذ مبرز في الترجمة