*المصطفى كليتي
برشاقتها وقدرتها الهائلة على الاشتقاق الذي يتم عبر كلماتها ، تبقى اللغة العربية لغة جميلة مموسقة بالإيقاعات الجميلة التي تشدك لكلماتها المنغومة ، كأن قارىء اللغة العربية يعزف على آلة سحرية تصدح بطريف الكلم وأعذب النغم .
ارتبطت اللغة العربية بالوجدان ولاسيما وهي لغة قرآن ” وإنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” الحجر : 9 .
القرآن الكريم يحفظ اللغة العربية ، مادامت حاملة له ، واللغة العربية يتضافر داخله المقدس والديني والهوياتي بقطع النظر على ماهو لغوي ومعرفي وثقافي بصفة عامة ، فالتعالق بين ما هوقرآني ولغوي أمشاج من الروابط يصعب حصرها لشدة التلازم ” إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ” يوسف : 2.
وأول نزول القرآن دعوة للتأمل والعلم والإنفتاح على المعرفة ” اقرأ باسم ربك الذي خاق ( 1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الأنسان مالم يعلم (5).
سورة العلق.
تتميز اللغة العربية بالأصالة وقوة الحضور عبر الزمان والمكان ، وتعتبر من أقدم اللغات طرا في العالم ، فهي لغة الرسالة المحمدية التي جابت الأمصار والأقطار ، كما أنها لغة لاتزال لغة علم وتواصل منذ مايزيد على أربعة عشرة قرن ، ولازلت اللغة المستخدمة بين العرب والمتكلمين بالعربية ، ولعل العصر الذهبي عصر الفتوحات الإسلامية واقبال الشعوب من عرب وعجم على تعلمها والغرف من حياضها ، بغاية معرفة الإسلام وتفقه في القرآن وطلبا للمعرفة بشكل عام ، برغم اختلاط اللهجات المحلية العربية المتداولة ، وماجاء ت به رياح العولمة وظهور مصطلحات دخيلة ولكنها تدريجيا تتبناها اللغة العربية نصا أو ترجمة تقريبة دون المس بالجوهر تبقى العربية الفصحى مطواعة قادرة على التواصل والتخاطب وفي ذلك يشير الشاعر : حافظ إبراهيم معتزا باللغة العربية :
*وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضقت عن آي به وعظــــــات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسمــــــاء لمختــــرعــــــات
أنا البحر في أحشائه الدر كـــامن فهل سألوا الغواص عن صدفـــــاتي
من التحديات التي تعرقل انتشاراللغة العربية ، هو التراجع القهري في مجال البحث العلمي ، الذي رجح للغة الإنجليزية ، بيد أن العجز الحقيقي لا يكمن في خصوصية اللغة وإمكانياتها الهائلة ، وإنما التراجع يتمثل في التبعية السياسية والإقتصادية ومن ضمنها الثقافية ، ويبقى المغلوب ـ حضاريا ـ تابع لسياسية الغالب ، ولايمكن أن تكون استقلالية مطلقة إلا بالإرادة السياسية وتخصيص ميزانية محترمة للبحث العلمي وانزال الباحثين المكانة الإعتبارية التي يستخقونها اللغة تبقى أداة فعالة في إحداث أي تغيير ، بصفتها نسقا من الرموز المنطوقة أو المكتوبة في محيط جماعة اجتماعية لهم قواسم ثقافية مشتركة وكذا كل الرموز الصوتية التي تتشكل على نحو عضوي جماعي وتمكن من آليات التواصل والتعاون .
تبدو اللغة ، وكأنها العمود الفقري ، الذي تتشابك عليه كل عناصر المجتمع وفي مقدمتها الهوية التي من خلاها تحافظ كل جماعىذة على سمتها وصفاتها المائــــزة تحتل اللغة دورها المؤثر ، وتسود بما تنتج من معارف ، لأن التراكم المعرفي في لغة معينة يشكل سلطة لا يمكن القفز عليها ، إن ـ هذه اللغة ـ تجسر وتسهل عمليات التواصل والتحديث والتطور ، فبناء مجتمع المعرفية عملية تلاقحية على جميع المستويات ، وتدل المؤشرات على أن اللغة لها أكثر من وشيجة مع المعرفة التي تخصب وتثري حياة الإنسان بدرر الفكر وجمالية الفن والإيداع .
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية تحية حب وإكبار لجميع العاملين والمشتغلين باللغة الضاد ورحم الله أحمد شوقي القائل :
*إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضــــاد