بقلم: *رشيد أيت بلعربي*
لا أحد يختلف في كون ظاهرة الاعتداءات الجنسية على القاصرات من أبشع الظواهر التي يعج بها المجتمع. و يكفي أن ترتاد قاعات غرف الجنايات بمختلف المحاكم المغربية حتى تتأكد بأن معاناة القاصرات مع العنف الجنسي معاناة دائمة و لا تتوقف. لكن لا أحد يتكلم. إلا أنه و بمجرد أن يثير الإعلام قضية ما حتى يهب كل الأموات من عشاق الكاميرات و الميكروفونات ليتذكروا أن هناك طفولة مغربية تعاني، لتنطلق معها موجة البيانات و التصريحات و المراسلات و غيرها ، بل إن منهم من تأخذه الحماسة ليطالب بالتدخل في القضايا المعروضة على القضاء بشكل مباشر و ينسى أن يتناسى أو ربما يجهل بأن العمل الحقوقي يتنافى كليا مع الدعوة للتدخل في القضاء. فالكل يتفق أن الطفولة المغربية تعاني أنواع متعددة من العنف لا تقل عن العنف الجنسي لكن عددا من الجمعيات لا تحرك ساكنا إما لعدم إلمامها بمناحي هذا العنف أو لكون الموضوع لا يلقى اهتماما إعلاميا كافيا أو لكون مصدر العنف الممارس يدخل في إطار الخطوط الحمراء التي يمنع الاقتراب منها. فالجميع يتذكر قضية العفو عن الإسباني دانيال فينا كالفان التي لم نسمع و لم نقرأ فيها بلاغا صادرا عن الجمعيات التي تحركت اليوم . و الجميع يعلم ما عاناه أطفال الريف بعد انطلاق موجة الاعتقالات في صفوفهم و صفوف آبائهم هناك، و لم نسمع بلاغا أو تصريحا من هاته الجمعيات يستنكر اعتقال أطفال لمجرد الاحتجاج السلمي. و الكل يشاهد العنف الاجتماعي و الاقتصادي في حق أطفال المغرب العميق و معاناتهم مع غياب أبسط شروط العيش الكريم إلا أننا لم نسمع صوتا أو بلاغا يندد بهذا الوضع و من المسؤول عنه. و الكل يعلم معاناة عديد الأسر المغربية من موجة الغلاء و التي أثرت بشكل كبير على وفاء أرباب هاته الأسر بالتزاماتهم تجاه أطفالهم حيث عجز عدد منهم عن توفير قوتهم اليومي و الكل سمع و رأى كيف صرخ أحد الآباء بعزمه ترك أبنائه بعدما عجز عن توفير أبسط حاجياتهم مم مأكل و مشرب و ملبس. كما عاين الكل كيف تدخلت السلطات المحلية في مدن عدة و منها القنيطرة لهدم بيوت فوق رؤوس قاطنيها بحجة محاربة دور الصفيح غير آبهة بهؤلاء الأطفال الذين أصبحوا يبيتون في العراء بعدما انقطعوا عن الدراسة. هل هذا العنف يدخل في إطار النوع الذي لا يستحق بيانا أو مراسلة أم أنه عنف مشروع ؟
إن ما تعانيه الطفولة المغربية من اعتداءات متكررة و متنوعة لن يتم إصلاحه بحكم قضائي قاس في حق متهم أو عدد من المتهمين . بل بسياسات عمومية شاملة لكل مناحي حياة هاته الطفولة تساهم في حمايتها من مختلف أنواع العنف الاقتصادي و الاجتماعي و الجنسي و القانوني و غيرها . كما أن تصحيح خطإ قضائي إذا كان موجودا أثناء البت في قضية ما لن يكون بمطالبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو رئاسة النيابة العامة أو وزير العدل بالتدخل لأننا نطالب بعكس ما يتعين المطالبة به ألا و هو مزيدا من الضمانات لحماية استقلال القضاة أثناء البت في القضايا المعروضة عليهم. و هذا لا يعني حمايتهم لفعل ما يشاؤون بل من أجل عدم التأثير و التدخل في قراراتهم بأي وجه من الوجوه. و في حالة الخطأ فإن حق الطعن و التشكي مشروعان في إطار ما يضمنه القانون.
و الأهم من ذلك أن الدفاع عن الطفولة يتعين أن يكون وفق منهج و استراتيجية واضحين و محددين سلفا و ليس مناسباتيا لأننا بهذا السلوك نلحق الضرر بالطفولة أكثر مما نساهم في حمايتها. و لنا في إلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي في عهد وزير العدل مصطفى الرميد خير دليل بعدما اشتعل المغرب بالمظاهرات و الاحتجاجات المطالبة بإلغائها بمناسبة انتحار الطفلة أمينة الفيلالي. فما كان لوزير العدل إلا أن استجاب بسرعة لكن الغاية من ذلك لم تتحقق مادامت الفقرة المذكورة تتعلق بجنحة التغرير بقاصر فقط و ليس بجنايات الاغتصاب أو هتك العرض التي تعاني منها القاصرات بشكل كبير.
*محامي بهيأة القنيطرة وناشط حقوقي