بقلم: *المحامي رشيد آيت بلعربي*
في أسبوع واحد تتلقى مهنة المحاماة ضربتين موجعتين من السيد وزير العدل دون اتباع المنهجية المعمول بها سلفا في تدبير شؤون المهنة و جمعية هيئات المحامين بالمغرب في سبات عميق. و عوض إعلان الاستنفار و الدعوة إلى اجتماع عاجل لمناقشة هذا المصاب الجلل، يطل علينا السيد رئيس الجمعية ببلاغ يخبرنا فيه بأنه اتصل بالسيد وزير العدل للاستفسار حول حقيقة وجود هاته المسودة فأكد له هذا الأخير بأن الأمر يتعلق بمسودة حقيقية و ستبلغ للهيئات عما قريب لإبداء الرأي فاتفق الطرفان على عقد لقاء لمناقشة هاته المسودة يوم 15 أكتوبر. فهل أصبح منتهى طموحنا و أقصى أهدافنا أن تحظى جمعيتنا بفرصة لقاء مع السيد وزير العدل لتبادل وجهات نظر عقيمة لا تجدي نفعا. ماذا جنينا من اللقاءات مع هذا الوزير المتهور غير الخذلان ثم الخذلان ثم الخذلان. فبدءا بتصريحاته العدائية و التحريضية المليئة بالكذب و الافتراء على المحامين حول موضوع الضرائب و مرورا بفرض الإدلاء بجواز التلقيح على المحامين لولوج المحاكم و تعطيل مرفق العدالة لأسبوعين، ها نحن نتلقى طعنتين غادرتين في ظرف أسبوع واحد ، أولاهما الإعلان عن امتحان الأهلية علما أن الهيئات لازالت غارقة مع الفوج الأخير الذي فاق 4500 متمرن عدد كبير منهم لم يستطع العثور على مكتب يسهر على تمرينه تمرينا لائقا، و ثانيتهما تسريب مسودة قانون المهنة و إرسالها للرؤساء السابقين للجمعية من أجل إبداء وجهة نظرهم فيها قبل حتى أن تبلغ للهيئات، و هي المسودة التي تشكل انقلابا حقيقيا على كل المفاهيم التي رسختها المهنة عبر عقود من الزمن و في مقدمتها استقلالها التام عن الدولة. و هذه أبرز الملاحظات على هاته المسودة :
1- فتح الباب على مصراعيه لممارسة المهنة سواء بالنسبة للمحامين الأجانب أو بالنسبة للمحامين المغاربة في الخارج. فإذا كان المحامون يعيشون أوضاعا مادية صعبة نتيجة ضيق فضاء الممارسة المهنية و غياب تكافؤ الفرص و المنافسة الشريفة و سطوة الفساد، فكيف سيكون الحال بعد إنهاء الفوج الأخير لفترة التمرين و هو الفوج الذي يتكون من أكثر من 4500 محام ، و خاصة في ظل الإعلان الموازي عن تنظيم امتحان الأهلية لولوج المهنة. فكيف يسمح السيد وزير العدل بفتح باب آخر للتضييق على مجال الممارسة عن طريق السماح للمحامين الأجانب و المحامين المغاربة بمختلف دول العالم من أجل ممارسة المهنة دون قيد أو شرط.
2- إعلان ميلاد المجلس الوطني للهيئات بتشكيلة لا تلبي طموحات المحامين. و هكذا فإنه بالاطلاع على شروط العضوية في المجلس يمكن القول بأن الغرض من إخراج هذا المخلوق المشوه جينيا للوجود هو خلق الفتنة بين أجيال المحامين و دفن الأمل و بت اليأس في نفوسهم و قتل ما تبقى في المحاماة من قيم للحرية و الاستقلالية . و قد تجلت أولى علامات هذا التوجه في جعل العضوية في هذا المجلس حكرا على حاملي صفة رئيس أو رئيس سابق أو نقيب أو نقيب سابق. و هكذا فإنه العضوية فيه حكر على رئيس الجمعية الممارس و الرؤساء السابقين، النقباء الممارسين و النقباء السابقين المنتخبين حسب الكعكة الممنوحة لكل هيئة. و هو ما يطرح أكثر من تساؤل حول هاته التشكيلة. فلماذا يكون الرؤساء السابقون للجمعية أعضاء في المجلس الوطني بالصفة علما أن هناك منهم من لم يعد يقوى على الحركة بسبب عامل السن و المرض شافاهم الله و أطال في عمرهم؟ هل يشكل الأمر رشوة معنوية لهؤلاء من أجل الصمت و الاستنكاف عن مناقشة الكوارث التي ستأتي بها هاته المسودة؟ أم سنرى رسالة مدوية من رؤساء الجمعية السابقين كما عودونا دائما يعلنون فيها رفضهم لهاته الرشوة و اصطاففهم إلى جانب قواعد المهنة للدفاع عنها و عن ثوابتها ؟و لماذا صفة النقيب شرط جوهري للعضوية؟ أليس في المحاماة رجال و نساء أكفاء تفوق كفاءتهم كفاءة بعض النقباء و يملكون غيرة و حسا مهنيين يفوقان ما يحمله بعض النقباء ؟ و لماذا ستمنح هيئة البيضاء حق رئاسة المجلس الوطني بعد اكتمال أربع دورات رغم أحقيتها في الترشح للرئاسة كل دورة؟
3- أما على مستوى الاختصاصات الممنوحة للمجلس الوطني للهيئات فإنها لم تلب حتى الأدنى من الانتظارات. إذ يبدو أن هناك بعض الاختصاصات ستجعل المجلس كنادي ثقافي أو جمعية من جمعيات المجتمع المدني علما أن المنتظر كان أكبر بكثير من هذا. فأغلب المحامين كانوا ينتظرون أن يكون المجلس الوطني بمثابة هيئة استئنافية للبث في مقررات المجالس التأديبية و غيرها ضمانا لاستقلالية المهنة ، فإذا به يتم حصر هذا الاختصاص في المقررات التأديبية بالتشطيب و المقررات التحكيمية الصادرة بخصوص نزاعات المحامين فيما بينهم. زد على ذلك نزع بعض الاختصاصات الجوهرية الأصيلة لمجالس الهيئات و منحها للمجلس الوطني من قبيل إنشاء و إدارة مشاريع اجتماعية لفائدة المحامين و توفير الموارد الضرورية لضمان الإعانات و المعاشات لهم و لذوي حقوقهم، علما أن كل هيئة تتوفر على مشاريعها الاجتماعية الخاصة من قبيل أنظمة التكافل. فكيف سيتم التعامل مع هذا الأمر؟ هل سيتم إلغاء هاته الانظمة التي تديرها الهيئات من أجل فسح المجال للمجلس الوطني لممارستها؟ و ما مصير الأموال الذي ادخرتها الهيئات من هاته الأنظمة؟
4- إعلان نهاية استقلال المحاماة من خلال وضع بعض الأهداف التي سيناط بالمجلس و المتمثلة في الدفاع عن المصالح العليا للوطن و عن وحدته الترابية في المحافل و المنتديات الوطنية و الدولية. فإذا كان الدفاع عن مصالح وطننا و وحدته الترابية هو فرض عين على كل مغربي محب لوطنه ، سواء كان عسكريا أو موظفا أو محاميا أو تاجرا أو فلاحا أو عاملا أو حتى عاطلا عن العمل، و إذا كان المحامون المغاربة ظلوا و عبر التاريخ في طليعة المدافعين عن المصالح العليا للوطن بما فيها وحدته الترابية و مستعدون لحمل السلاح من أجلها و هذا شرف لنا ، فإننا لن نرضى أن يتم تحويلنا إلى موظفين لدى وزارة الخارجية أو الداخلية لفرض هذا البند في قانون خاص للمهنة يفترض فيه أن يؤطر المحامين و ممارستهم المهنية و علاقتهم بمحيطهم المهني. فمهنة المحاماة كانت و ستظل مهنة حرة مستقلة و قلعة حصينة للدفاع عن حقوق و حريات المواطنين، و لن تتحول إلى ثكنة عسكرية أو ملحقة لوزارتي الخارجية أو الداخلية. و من يريد أن يدس هذا النوع من البنود في قانون المهنة فإنه يريد بذلك إضعاف المهنة و إعلان بداية عصر جديد للمحاماة في المغرب عنوانه التبعية للدولة عوض الوفاء لقيم المهنة و في طليعتها الاستقلال. فالمحامون كانوا و سيظلون أحرارا مسقلين في أفكارهم و مواقفهم متشبتين بثوابت المهنة كما هي متعارف عليها عالميا. كما سيظلون في طليعة المدافعين عن قضايا وطنهم المصيرية و هو ما قاموا به طيلة الأسبوع المنتهي في لبنان بمناسبة انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب في لبنان، لكن باستقلالية تامة و دون إملاءات من أي جهة.
5- أما على مستوى حصانة الدفاع ، فإنه و عوض التوسع فيها تم التضييق عليها. و هكذا فبعدما كان اعتقال المحامي أو وضعه تحت الحراسة النظرية أمرا غير ممكن إلا بعد إشعار نقيب الهيئة التي ينتمي إليها، فإن المسودة أتت بالجديد و هو أن الإشعار يكون بعد الاعتقال أو الوضع تحت الحراسة النظرية. إشعار ليس لنقيب الهيئة التي ينتمي لها المحامي بل لنقيب المحامين للدائرة الاستئنافية التي وقع فيها الاعتقال ، و هو أمر غير مفهوم خاصة و أن السادة النقباء لا يعرفون الزملاء بباقي الهيئات.
أعتقد أن هذه الملاحظات تشكل أبرز سلبيات هاته المسودة التي أتانا بها السيد وزير العدل ، و إلى جانب غيرها من النقاط السلبية التي يتعين أن نتوحد كمحامين – رؤساء جمعية سابقين ، نقباء سابقين ، نقباء ممارسين، مجالس الهيئات و الإطارات المهنية ، قيادمة و شباب و متمرنين – من أجل إسقاطها دفاعا عن مهنتنا و عن استقلاليتها في مواجهة كل المتربصين بها. و هو ما يستدعي عدم تشتيت الانتباه و توجيهه نحو التفاهات التي أصبحت تملأ صراعنا اليومي مع بعضنا عبر مختلف الصفحات المهنية.توحدنا في إسقاط الدورية الثلاثية و سنتوحد لإسقاط المسودة الأحادية.
*عضو مجلس هيئة المحامين بالقنيطرة