منعم أولاد عبد الكريم
عاشت الجماهير المغربية، خلال الشهر الأخير، بكل مشاربها وأعمارها وانتماءاتها، فترة استثنائية من حياتها، ومعنا أيضا باقي الشعوب العربية والإفريقية والإسلامية، وهم يتابعون تفاصيل حلقات تألق “أسود الأطلس” بملحمة” مونديال قطر 2022.
فقبل المونديال، وبالنظر لتوالي الخيبات والانتكاسات في المجال الكروي والرياضي، لا احد منا كان يتصور وصول أشبال وليد الركراكي لما وصلوا إليه في قطر. حتى أكبر الحالمين، حينما كانوا يجرؤون على الحلم بذلك، كانوا يتبعون تكهناتهم بضحكات ساخرة، إلى أن جاء “راس لافوكا” وصاح في وجوهنا جميعا بضرورة إعمال “النية” والتوقف عن التشاؤم والسلبية، والإيمان بمؤهلات وحظوظ منتخبنا حتى يمكن للكرة أن تعانق الشباك وتتحقق الطموحات والآمال.
لقد نسينا حينها (أو تناسينا، بالأحرى) كل همومنا وانكسارتنا وخيباتنا، وقررنا جميعا أن نعيش هذا الحلم الجماعي بحماس وشغف غير مسبوقين.. الجدات والشيوخ والأمهات والآباء لم يتوقفوا عن الدعاء في صلواتهم لـ”أسودنا” بالنجاح والتوفيق والتألق. الشباب والشابات يلبسون الاحمر والأخضر ويتهيؤون لمتابعة مبارايات المنتخب الوطني كما يستعد المحاربون للمعارك. الكل يرتجف أمام شاشات التلفاز من فرط الإثارة والانفعال؛ بينما كانت حشود المشجعين المغاربة تملأ ملاعب قطر، مقدمة صورا مبهرة للعالم في عشق ألوان الوطن والتشجيع الراقي والحضاري.
مونديال قطر كان مناسبة أعدنا من خلاله اكتشاف قيمتنا وقيمنا وقدراتنا كمغاربة، وأعاد لنا نوع من البسمة والتفاؤل والأمل والثقة في الذات، بعد مرحلة الشك والريبة التي اجتاحت نفوسنا خلال العقد الأخير بسبب تراكم الخيبات والتراجعات في مجالات عدة، وهيمنة التافهين والسفهاء والفاشلين على الواجهات، حتى انهارت القدوات وتلاشى تأثيرها.
مونديال قطر لا ينبغي، بأي حال من الأحوال، ان يتحول إلى مجرد صيحة في واد، أو يظل مجرد حلم عشناه ذات مرة، تتداوله الألسن وتتناقله الأجيال على شكل حكايات من خيال؛ بل على النقيض من ذلك، ينبغي أن يشكل منعطفا جديدا لنا كأمة، وألا نعود إلى حياتنا اليومية وكأن شيئا لم يكن. فهنا تكمن قيمة المظاهرات الرياضية الكبرى والاحداث التاريخية بالنسبة للمجتمعات المتحضرة والمتماسكة، أي في استخلاص الدورس والعبر منها وتحويلها إلى محركات للنهوض والإقلاع.
يجب ان يتحول هذ الإنجاز غير المسبوق في تاريخنا إلى نقطة انطلاقة لمرحلة جديدة في تاريخ كرة القدم المغربية والإفريقية والعربية..فالإعداد للاستحقاقات القادمة ينبغي ان ينطلق فورا، بما فيها مونديال 2026 بالولايات المتحدة الأمريكية، كندا والمكسيك.
علينا أن نعمل جاهدين و”بالنية” لترجمة هذا الحلم الجميل إلى حقيقة في شكل رؤية وتصورات ومخطط وبرامج عملية، قادرة على إنجاز القطيعة مع ماضي الفشل ورسم مستقبل يكون فيه التألق المبني على العمل الجاد هو العنوان الأبرز.
فمن أجل كل ذلك، علينا استثمار مكتسبات المشاركة المونديالية الحالية، بما فيها الـ27 مليون دولار، كرأسمال من أجل الإقلاع الحقيقي لكرة القدم الوطنية، حتى لا يتحول هذا الإنجاز التاريخي إلى أضغاث الأحلام.