بقلم: *ذ. محمد جناي*
مستحبات الصيام
ينبغي على الصائم أن يغتنم أيامه في طاعة الله تعالى ، واجتناب ما يذهب بأجر صيامه فيحرص الصائم على التكلم بالكلام الطيب ويجتنب الغيبة والنميمة والقيل والقال واللغو والكذب والزور والباطل وأن يحفظ سمعه وبصره وفؤاده عما نهى الله عنه وغير ذلك وإن كان واجبا إلا أنه لما كان لا تأثير له في فساد الصوم حمل على الاستحباب.
وللصوم ثلاث مراتب : صوم العموم ، وصوم الخصوص ، وصوم خصوص الخصوص، فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة ، وأما صوم الخصوص فهو كف النظر ، واللسان ، واليد ، والرجل ، والسمع ،والبصر ، وسائر الجوارح عن الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة ، والأفكار المبعدة عن الله تعالى ، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية.[1]
1 – ” كف اللسان ” :
يجب على الصائم أن يكف لسانه عما يؤذي من كلام محرم أو مكروه ، من الكذب والغيبة والنميمة والمراء والفحش والمنكر من القول والغلظة مع الناس والخصومة ؛ لأن الصوم جنة ما لم يخرقها صاحبها ، قال تعالى : ” مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ اِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞۖ “(ق : 18).
قال ابن رشد : الجمهور على أن من سنن الصوم ومرغباته كف اللسان عن الرفث والخنا لقوله صلى الله عليه وسلم :” إنما الصوم جنة ، فإذا أصبح أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه فليقل : إني صائم وذهب “[2] .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” قال الله : كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام ؛ فإنه لي، وأَنا أجزي به، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل :إني امرؤ صائم”، وفي هذا الحديث يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الصيام جُنَّةٌ، يعني: وقاية وحصن حصين من المعاصي والآثام في الدنيا، ومن النار في الآخرة،ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائم عن الرفث ، وهو الفحش في الكلام ، وكذا نهاه عن الصخب ، وهو الصياح والخصام ، فإن شتمه أحد ، فليقل له بلسانه: «إنِّي امْرُؤٌ صائِمٌ»؛ل يكف خصمه عنه، أو يستشعر ذلك بقلبه ؛ ليكف هو عن خصمه. والمراد بالنهي عن ذلك تأكيده حالة الصوم ، وإلا فغير الصائم منهي عن ذلك أيضا.[3]
2 – : ” غض البصر ”
وقد جاء الأمر بغض البصر عموما في القرآن الكريم في أحوال المسلم فما بالك وقد ربط نفسه بعبادة سرية بينه وبين مولاه فقد جاء الأمر بغض البصر صريحا :
قال الله تعالى : ” قُل لِّلْمُومِنِينَ يَغُضُّواْ مِنَ اَبْصٰ۪رِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْك۪يٰ لَهُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصْنَعُونَۖ * وَقُل لِّلْمُومِنَٰتِ يَغْضُضْنَ مِنَ اَبْصٰ۪رِهِنَّ ” (النور : 30 – 31).
وقال تعالى :” وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌۖ اِنَّ اَ۬لسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولاٗۖ ” (الإسراء : 36).
3 – “صون السمع عن الإصغاء إلى كل ما يحرم قوله أو يكره”
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ ” (أخرجه ابن ماجه).
فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن طائفة من الناس يصومون لكن لا يكتب لهم عند الله أجر الصائمين وإنما نصيبهم من هذا الصيام الجوع والعطش ، وذلك لأن الجوارح لم تمتنع عن معصية الله ، فالعين تنظر إلى ما حرم الله والأذن تستمع إلى ما حرَّم الله واللسان يتكلم بما يغضب الله .
4 – ” حفظ البطن من أكل الحرام ”
وذلك بأن يحفظ بطنه من أن يدخل فيه ما حرم الله ، وقد جاء النهي عن أكل الحرام في القرآن والحديث:
الأول : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لأن يأخذ ترابا فيجعله في فيه خير له من أن يجعل في فيه ما حرم الله عليه “.
الثاني : عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ” رواه الطبراني في الأوسط .
وننصح التجار وغيرهم أن الصوم لا يتفق مع الغش في المعاملة ، ولا يتفق مع إنفاق السلعة بالأيمان الكاذبة ، ولا يتفق مع الكسب الحرام ، إذا كان الصائم قد امتنع عن الأكل والشرب طول النهار قهرا للنفس وامتثالا لأمر ربه ، فكيف تطوع له نفسه أن يملأ بطنه بالليل من الحرام وهو نار محرقة ؟.[4]
5 – ” حفظ الفرج من الوقوع في الزنى”
وقد جاء أمر صريح في القرآن الكريم قال تعالى :”وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ (المؤمنون : 5) ، قال الغزالي : لا يصل إلى حفظ الفرج إلا بحفظ العين عن النظر وحفظ القلب عن الفكرة وحفظ البطن عن الشبهة وعن الشبع ؛ فإن هذه محركات للشهوة ومغارسها. [5]
6 – ” حفظ اليد والرجل وكفهما عن الوقوع في الآثام ”
إن الإنسان لمسؤول عن جوارحه فلا يمدن يده إلى ما نهي عنه شرعا،ولا تمشي رجله إلى مكان نهاه الله عنه،والصائم إن صان جوارحه عما حرم الله يكون قد صان صومه فيضاعف له الأجر وكان من المرضي عنهم ، قال الله تعالى :”اَ۬لْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَيٰٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَۖ ( يس : 64).
والصائم في عبادة سرية بينه وبين مولاه يجب أن يبتعد عن كل ما يلهيه عن خالقه الذي صام امتثالا لأمره فهو في مناجاة إن لم تكن باللسان فهي بالجنان.[6]
7 – ” تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب وقبل الصلاة وتأجيل السحور”
ومن سنن الصوم تعجيل الفطر، لقوله صلى الله عليه وسلم :” لا يزالُ النَّاسُ بخيرٍ ما عَجَّلوا الفِطرَ “وذلك رفقا بالضعفاء واستحبابا للنفس ومخالفة لليهود ، وكونه بالتمر أو ما في معناه من الحلويات ، فإن لم يكن فالماء ، أما من كان بمكة استحب له الفطر على ماء زمزم لبركته فإن جمع بينه وبين التمر فحسن.
وإن من فقه الرجل أي : من علامة معرفته بالأحكام الشرعية تعجيل فطره إذا كان صائما أن يوقعه عقب تحقق الغروب ، وتأخير سحوره إلى قبيل الفجر بحيث لا يوقع التأخير في شك ، فهاتان سنتان مؤكدتان دالتان على فقه فاعلهما المحافظ عليهما. [8]
انتهى
وفقنا الله وإياكم لكل خير وطاعة وبر ، وصرف عنا وإياكم كل سوء وشر إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه.
* خرّيج جامعة القرويين ، كلية أصول الدين بتطوان (2011) ، خرّيج برنامج صناعة المُحاور (الدفعة السادسة )، أكاديمية صناعة المحاور .
هوامش :
[1]:مختصر منهاج القاصدين ، تأليف الإمام الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي، الناشر : مكتبة دار البيان ومؤسسة علوم القرآن ، طبعة : 1978 صفحة : 44.
[2]: المبسط في الفقه المالكي بالأدلة ، تأليف الدكتور التواتي بن التواتي ،الجزء الثاني ، كتاب الصوم والحج، دار الوعي للنشر والتوزيع ، الجزائر ، الطبعة الثانية : 2010، (ص: 188 – 189).
[3]:موقع الدرر السنية ، الموسوعة الحديثية ، شرح الأحاديث ، الراوي : أبو هريرة ، المحدث : البخاري ، المصدر : صحيح البخاري ، الصفحة أو الرقم : 1904، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
[3]:إحياء علوم الدين ، تصنيف الإمام أبي حامد الغزالي ، الجزء الأول ، الناشر : مكتبة الصفابالقاهرة ، الطبعة الأولى 2003 صفحة : 277
[4]: المبسط في الفقه المالكي بالأدلة ، تأليف الدكتور التواتي بن التواتي ،الجزء الثاني ، كتاب الصوم والحج، دار الوعي للنشر والتوزيع ، الجزائر ، الطبعة الثانية : 2010، (ص: 195 – 196).
[5]: نفس المصدر السابق ، ( ص :196).
[6]: نفس المصدر السابق ، ( ص :197).
[7]: نفس المصدر السابق ، صفحات :(150 -151 – 153).
[8]: المبسط في الفقه المالكي بالأدلة ، تأليف الدكتور التواتي بن التواتي ،الجزء الثاني ، كتاب الصوم والحج، دار الوعي للنشر والتوزيع ، الجزائر ، الطبعة الثانية : 2010، (ص: 198- 199).