بقلم: *امحمد القاضي
نعتز جميعا ك”عبداللويين” بانتمائنا لهوية أمازيغية سوسية في ظل وحدة وطنية مشتركة.
شاءت إرادة الله أن نقطن ب”أيت عبد الله” في أعالي جبال الأطلس الصغير، حيث يطغى عليها طابع المناخ الصحراوي الحار والبئيي الجاف والشبه قاحل نباتيا.
التقلبات المناخية زادت من قساوة جوه، والانحباس الحراري القاري بعثر فصوله السنوية، وشح التساقطات المطرية ساهم في جفاف فرشة مياهه الجوفية التي تعتبر المنبع الوحيد للمادة الحيوية.
وزاد الانتماء الإقليمي لتارودانت العزيزة ب 89 جماعة، جلها قروي هش، من هشاشة وضع المنطقة. فالتقطيع للخريطة الإدارية، عمق العزلة بانتماء “أيت عبد الله” لآخر قطعة جبلية حدودية مع إقليمي تزنيت وشتوكة أيت باها، الأكثر غنى مواردا.
كما أن الحسابات الانتخابية السياسية وتواجد المنطقة برقعة أقل كثافة سكانية من الحواضر المجاورة، أي أقل أصوات انتخابية، جعلها أقل اهتمام من المسؤولين والمنتخبين.
ولعل كل هذا سوء الحظ لا يكفي، فقد أصبحت أراضي المنطقة مرتع الخنزير البري الذي عاث فسادا في حقول الفلاحة المعيشية للساكنة المغلوبة على أمرها، بدعوى التنوع البيولوجي وحرصا على أن لا ينقرض الخنزير، الذي حظي مؤخرا بأهمية وجودية أفضل من البشر. وانقرض محصول التين البري بهجمة مميتة للدودة القرمزية على نبات “الهندية”.
والقشة التي قصمت ظهر البعير، هي استباحة الرعاة الرحل الغزاة لحقول ونباتات وأشجار المنطقة قهرا وضدا على الضوابط الإنسانية والقوانين التي ترعاها سلطات المنطقة. ومؤخرا، جاءت المسطرة المتجددة للتعمير والسكن لوضع شروط بيروقراطية تعجيزية لبناء أهل المنطقة مساكن بسيطة في قراهم النائية. مساكن يعتبرها أهل المنطقة مسألة حياة وضمان استمرار عودة الأجيال الصاعدة الموسمية لمسقط رأس الأجداد والرابط الأسري القوي الذي يربطهم بهويتهم؛ لدرجة أصبح البعض يتساءل، هل هي سياسية تهجيرية قصرية وممنهجة غير معلنة تفرض على أهل المنطقة المعتزين بانتمائهم للأرض والمكان لإخلاء المنطقة من أصولها؟
في ظل هذه العزلة الجغرافية الجبلية الإلهية، ذات منافع صحية وراحة نفسية مجربة وافتخار هوياتي، والتهميش الإداري المفتعل ذو مساوئ معيشية قاسية، تعيش ساكنة محافظة صامدة، محافظة على التقاليد الأصيلة، وعلى الهوية الوطنية المتنوعة الموحدة والقيم الإنسانية.
وفي عزة هذا المناخ، تفرخت عدة جمعيات تنموية تزعمها مهتمون بالشأن المحلي، من أطر وفاعلين اقتصاديين وشباب، سعيا في تحدي الإقصاء، وإخراج المنطقة من العزلة، وتقوية البنى التحتية كشق طرق إسمنتية وحفر آبار ومد القرى بالماء الصالح للشرب، وإنشاء تعاونيات نسوية لتقوية الدخل الفردي. بل وامتد العمل الجمعوي لبناء مساجد للعبادة، علما أن المنطقة تشهد أعرق المدارس العتيقة بالمملكة، وتشييد المستوصفات والمساهمة في بناء الثانويات ودور الطالب والطالبة وغيرها مما هو في الأصل من شأن ومسؤولية الجهات الوصية على القطاعات المعنية. يبذل المجهود من أجل خيار البقاء، والاستمرار وحياة أفضل في أعالي جبال الأطلس الصغير.
لذا تعتبر منطقة سوس عامة، وأيت عبد الله خاصة، نموذج وطني في تضحية أبنائها ومصدر افتخار للأجيال الصاعدة في الانتماء لهوية أصيلة واعتزاز بوطنية فوق كلاعتبار. ورغم وجود مجتمع مدني قوي بالممارسة والتضامن والمشاريع الميدانية الناجحة، يبقى السؤال الغائب الحاضر، أين حق المنطقة في الثروة؟
في انتظار الجواب عليه، تستمر الأهالي في المنطقة والمجتمع المدني، من بينها جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله التي خلقت دينامية جديدة بالمنطقة، في التكتل لقهر العزلة، والتصدي للإقصاء، ومحاربة مظاهر الفقر وتمكين المرأة وتعليم وتكوين الناشئة لضمان ترقي اجتماعي لأسر الهشة.
باختصار، العمل الجمعوي بالمنطقة توافق من أجل الوجود والإستمرار، ليس ثرف بل نضال من أجل الحياة ونزع الإعتراف، ومحاربة الإحتقار، والتهميش.
*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله
Email: assotiwizi2022@gmail.com
https://www.facebook.com/tiwizi.social