رشيد أيت بلعربي
وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي يأتي على الأخضر و اليابس بتصريحات جديدة. فبعد الهدنة التي وقعها مع المحامين، ها هو يوجّه ذخيرته تجاه القضاة بتصريحات لا سياق لها. فهل القضاة هم من يحكمون الدولة فعلا كما يحاول السيد الوزير أن يوهمنا بذلك ؟؟؟
و هل المقصود بتفسير القضاة لنية المشرع هو التفسير القدحي الذي قدمه السيد الوزير؟
لن نقدم شهادتنا زورا لأحد ، لكن ما نراه يحكم البلاد اليوم هو التوجه الداعم و المستفيد من الفساد بكل تلاوينه و الذي يضم وزراء و مدراء و موظفين كبار و رجال سياسة و معهم مهنيين ينتمون لقطاعات مختلفة .و هو توجه قد يستعين ببعض رجال القضاء ذوي النفوس الضعيفة كلما تطلب الأمر ذلك.
أما القضاة الذين يشتكي منهم السيد الوزير فهم من يقفون ضد الفساد بمختلف تمظهراته سواء عبر أحكامهم أو قرارتهم أو عبر مواقفهم التي يعبرون عنها في إطار ما يسمح به القانون سواء في السر أو العلن و آخرها المواقف المتتالية لبعض القضاة من المادة 3 من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية التي جاءت لتغل يد القضاء في التعاطي مع جرائم المال العام باعتباره الوكر الكبير للفساد و كل ذلك في إطار حق دستوري هو المقاربة التشاركية . فهؤلاء القضاة هم من يشكلون الخطر و العائق الأكبر أمام الفساد و تغوله و هؤلاء هم من يزعجون ربابنة الفساد و عرابيه.و لا أعتقد أن هؤلاء الشرفاء يشكلون خطرا على الدولة و لا على الديموقراطية و لا على إرادة الشعب بل هم نتاج خالص لإرادة الشعب تماما عندما خرج ذات 20 فبراير من سنة 2011 مطالبا بفصل السلط و بدسترة استقلال السلطة القضائية. و هو ما تمت الاستجابة له في دستور يوليوز 2011 بعدما تم التمهيد لذلك بالخطاب الملكي ل 9 مارس من نفس السنة . لكن يبدو أن السيد الوزير يحن لما قبل دستور 2011.
أما ما تلفظ به السيد وزير العدل من تفسير حول توجه بعض القضاة إلى تفسير نية المشرع ،فإنه يؤكد نظرته السطحية الكبيرة لهذا العمل الإجرائي الذي يضطر القضاة أحيانا للجوء إليه في بعض القضايا في علاقتها ببعض النصوص. فعملية تفسير النصوص باللجوء إلى نية المشرع لا تتم عبر النزوات الشخصية لكل قاض على حدة و درجة اجتهاده في قراءة نفسية و عقلية و إرادة و نية الوزير و موظفي البرلمان و النواب و المستشارين البرلمانيين. فهذا هراء في هراء. بل إن عملية التفسير هاته تسلك طريقة علمية بالأساس تعتمد على الاطلاع على الأعمال التحضيرية التي سبقت أو صاحبت إعداد النص القانوني و مناقشته و خلفيات ذلك سواء في دواليب الوزارة أو الأمانة العامة للحكومة أو أمام اللجان البرلمانية. وغالبا ما يتم اللجوء إلى هاته العملية عندما يكون النص غامضا أو تعترض القاضي صعوبة في ربط النزاع المعروض عليه مع النص القانوني الواجب التطبيق. و لهذا يجب على السيد وزير العدل عندما يخاطب أهل القانون أن يلتزم بأبجديات القانون وليس إطلاق الكلام على عواهنه.
*محامي بهيئة القنيطرة