بقلم *المصطفى كليتي*
لا مراء بأن مايبذله المدرس (ة)، من عرق وجهد وهو يقوم بمهنته الشريفة ، لا يقدر بثمن ، فهو معلم الأجيال ، والشمعة التي تفني عمرها وتذوب من أجل إنارة مجاهل الطريق ، وتخرج المرء من ظلمات الجهل إلى معارج نور العلم والعرفان ، وتثمينا للرسالة النبيلة المنوطة بنساء ورجال التعليم وتكريما لمكانتهم وهم الشريحة المتميزة في المجتمع، خصصت منظمة اليونسكو منذ سنة 1994يوما خاصا من أجل الإعتراف وتمجيد وإكبار بجهود المعلمين والمعلمات في شتى أصقاع الأرض ، نظرا لما يقومون به من أعمال هامة تساهم بشكل وافر في صناعة المستقبل ، وتأسيسه على أساس النهوض بالمورد البشري القادر على إنتاج الثروة وتقاسمها، وذلك عبر تعليم وتكوين النشء وفق شروط صحية وسليمة ، وكذا تحفيز الهيئة التعليمية والتربوية على مواصلة الجهد وبذل كل الطاقات في سبيل إنجاح العملية التعليمية التعلمية ، وخلق كل محفزات العطاء والإبداع في هذا المضمار الحيوي ، وفي حقيقة الأمر تكريم المعلم (ة) لا يقتصر على يوم واحد فقط بل من الأوجب أن يكون أكثر من مرة ومناسبة ، وقد يطاله سن التقاعد ويحظى بكلمة شكر، إدارية روتينية مستنسخة خالية من كل حس إنساني، تقال عند انتهاء صلاحيته ونهاية الخدمة !
ناهيك عن متاعب المهنة ، وأحمالها الجسام ، وماتكلف المشتغل بالتعليم والتربية من مجهود فكري وعضلي ونفسي ، فيكون مثل تلك الشمعة التي تنوس بنور وتضيء العتمات ، يذوب زيتها تدريجيا من أجل أن تنير وتهدي لمعارج المدارك والنور، وتبقى هذه الفئة النشطة العمود الفقري لأية تنمية حقيقية ينهض عليها المجتمع ، وركيزة لبناء وتطور البشرية ، فلا تقدم ولا رفعة إلا بتعليم جيد.
الشاعر أحمد شوقي قال منوها بمكانة المعلم وقيمته الكبرى في المجتمع :
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف وأجل من الذي يبني وينشىء أنفسا وعقولا
فعارضه الشاعر إبراهيم طوقان ، الذي مارس واكتوى بلهيب التدريس والتعليم وأجاب قائلا :
لوجرب التعليم شوقي ساعة لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمة وكآبة مرآى الدفاتر بكرة وأصيلا
مهنة التعليم ليست مجرد مهنة عادية تؤدي خدمة عابرة ، بله إنها بناء عقول وتربية وتنمية قدرات ، ولذا تكريم والإعتراف بصنيع نساء ورجال التعليم يتوجب أن يكون كل حين ـ وهذا اليوم 5 أكتوبرـ إلتفاتة للمعلم الإنسان الذي يذوب شمعة وزهرة عمره لكي تنير دروب العلم والعرفان ، فمهمة المعلم السامية ، بناء الأجيال القادرة على صناعة المجد والرفعة والتنمية لأوطانها ، وهو الذي يسهر على إعداد الطبيب والمهندس والمحامي والوزير والخبير ويعلم بدربة ومروءة الجميع ، المدرس هو محرك عمليات التعليم والقراءة ، فإن تقدير المعلم واحترامه والإعتراف بعرقه وجهده في هذا اليوم وغيره يرفع من معنويته، ويفجرينابيع الغبطة في قلبه ، كما أنه يشعر بالإعتزاز والفخر وهو يرى تلاميذه وتلميذاته وقد أتمرت فيهم شجرة عطاءاته ،و وصلوا إلى مدارك المسؤولية في مهن ووظائف شتى ، أويسمع منهم كلمة طيبة تجري دمعة فرح في عينه ، فتكون خير جزاء يثلج صدره ويغمره حبورا وسرورا .
لما يراجع المرء ذاته وذكراياته ، ويفكر في ذوي الفضل عليه ، فإن المعلم يكون له الأثر الكبير في حياته ، وفي معظم الأحيان نحب تلك المادة أو تلك من خلال حبنا وارتباطنا بذلك الأستاذ (ة) ، وماترك في أعماق النفس من أثر مسنود بوعي ما أو من خلال تأثيرات لا واعية .
والمدرس يسعى لتطوير ذاته بشكل متواصل ، يؤكد الجاحظ في كتابه ( البيان والتبين ) ما يرويه عقبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده فيقول ” ليكن أول ماتبدأبه من إصلاحك بني ، إصلاحك نفسك ، فإن أعينهم ( يقصد التلاميذ ) معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت ”
التكنولوجيا والوسائط الذكية ، أغنت مضمار التعليم بمعطيات غزيرة وخصبة ، ولكن تبقى محايدة بدون تأطير معلم وجيه يرشد ويوضح مسارات وسبل كل طريق ، فتمت تلازم بين عملتي التعليم والتربية ، ومسألة الأخلاق والتربية على القيم الرفيعة أساسية مع اتباع المثل الأعلى والنموذج الأفضل وكان الرسول صلى الله عليه وسلم معلما” إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ، ولكن بعثني معلما ميسرا ” رواه مسلم ، وكان النبي محمد إسوة لنا في كل شيء ” لقد كان كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” .
مهام ورسائل عديدة منوطة بكاهل المدرس ، وقد تفوق قدراته وإمكانياته ، وهو في حيرة من أمره ، بين مسلسلات الإصلاح ، وبين الميثاق الوطني والمخطط الإستعجالي ، إلى الجودة وتحسين المردودية والإنتاجية ، وهو مصطلح إقتصادي يوظف في تحسين وتدبير التعليم ، فكيف يمكن تأهيل المدرس معرفيا وبيداغوجيا وديداكتيكيا وتكوينه كأستاذ متعاقد ، غير آمن على وظيفته وأكثر من سلطة تهدده بعدم الأهلية والطردعند أقل هفوة ، أي تكوين أو إعادة تكوين يخضع له ، وقد رفع شعار ” من أجل مدرسة ذات جودة للجميع ” ، فكيف يمكن ضمان التمدرس للجميع واستكما ل التعليم الإلزامي وكيف يمكن تحسين والتمكن من التعلمات الأساسية التي من المفروض أن يتمثلها التلميذ (ة) ، مع اكتسابهم لمعرفة ومهارات وتشبعهم بقيم رفيعة ؟
إن نظام الجودة المنشود دونه إكراهات جمة ، فأين الجودة في الإدارة التربوية ، كيف يمكن أن نحصل على جودة مع فصول مكتظة ، كيف يمكن أن نحصل على جودة في غياب معايير وشروط موضوعية لتحققها ؟
وفي مقدمة كل هذه الإعتبارات ، لابد من التركيز أساسا على تطوير قدرات والخبرات العلمية للمدرس ومواكبة المستجدات حتى ينعكس ذلك عل مردودية وإنتاجية المعلم والمتعلم .
مهمة نساء ورجال التعليم ليست باليسيرة أو السهلة فدونها مشاق كأداء ، سواء في الحاضرة أو المدينة ، ولايمكن أن تتحقق جودة أو تحسن إلا بتكريم الأستاذ (ة ) ماديا ومعنويا والرفع من مكانته الإعتبارية حتى يتمكن من أداء رسالته الرفيعة على أكمل وجه ، ويشعر بالإعتزاز بعمله ودوره الأساسي والبناء في المجتمع ، مع إنصافه وتكريمه ، واعتراف أكيد بمدى أهمية مايقوم به من أعمال جليلة تخدم الحاضر والمــــســـتــــقــــبــــل .