بقلم: *شعيب حليفي*
ليس من حقنا نسيان أن الصراع العنيف بالمغرب، منذ الاستقلال حتى الآن، كان وما زال وسيبقى حول الديمقراطية الحقيقية والفعلية التي ترتبط بحياتنا.. مع الفصل بين تسلط المال وسلطة التدبير السياسي للمجتمع، وأن السلطة الفعلية التي ترتبط بالسياسة هي سلطة المعرفة بكل تجلياتها.
وإذا كان هذا الصراع قد صبغ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وأجزاء من العقود اللاحقة، باللون الأحمر والرصاصي، فإن المكتسبات تبدو مهمة على هوامش المطالب الكبرى والأساسية، لكن المكسب الأكبر هو أن روح الصراع ما تزال قائمة، رغم الإيحاءات الخاطئة بأن المعركة من أجل الديمقراطية قد انتهت، وبعض المصارعين استسلموا لواقع الحال فوق أرض الخوف والجري خلف مسلسل بلا نهاية.
إنّ النفق الذي أقحمتنا فيه السياسات المتعاقبة، هو نفسه الذي يدفعنا فيه المسؤولون، الآن، وبلا هوادة، وهو ما جعل وزارة الثقافة تُقْدِمُ على ما أقدمت عليه من قرارات فردية ومتسرعة ..فيها الكثير من الطيش السياسي، مما يعكس التوجه العام للحكومة، برمتها، في غياب الديمقراطية في حدّها الأدنى، وكأننا بالمسؤولين يعلنون أن هذا الشعب بكل فئاته ما زال تحت الوصاية ولا حق له في الرأي والقرار.
ما أقدمت عليه وزارة الثقافة، في جُزئية صغيرة بخصوص المعرض الدولي للنشر والكتاب، من ضمن سلسلة من الخروقات الفادحة والمُخجلة، وإهمالها التام لكل الأصوات من أجل الحوار والتشاور، يكشف عن غياب سياسة ثقافية مهيكلة أو أية رؤية واضحة، وعن تفشي الارتجالية والقرارات اللامسؤولة واستمرار النظرة الدونية للمجتمع… وهذا وحده كاف لأن ندق طبول معركة طويلة نحمي بها أنفسنا مما يُراد لنا أن نكونه منصاعين للأوهام والتبريرات، ملتزمين صمتَ الخانعين المُعجّنين.
إن ما رامته وزارة الثقافة هو تحدّ أخرق للمجتمع المدني وللفاعلين وللهوامش المتحققة بجهد رموز الثقافة والفكر. هي قفزة في الفراغ الذي لن يأتي بعده إلا الارتطام. قفزة غير محسوبة ولعلها من إيحاءات تلبّس السلطة وأوهام التسلط الذي يسكن الداخلين إلى البنيقة بوعي مزيف ومسبقات واهية.
وإذا كان هذا السلوك هو رسالة سافرة إلى الجميع، فإنه يأتي ليُرسخ قناعة أننا خُدعنا مرة أخرى في حكومة لا تؤمن بالديمقراطية، وإنما تسير بخطى الحكومة السابقة بنسختيْها، مع مقدرتهم الركوب على الوباء والحروب الخارجية … فهل يمنع هذا أن تكون عندنا ديمقراطية وحوار وطني حول القضايا التي تهمنا بإلحاح؟ والديمقراطية ليست بضاعة في مخازن تجار السياسة، إنها مسار يرفع الحياة من حالات الكآبة التي يريدون أن نسكنها وتسكننا.
إن غياب الديمقراطية نتيجته عدم وجود سياسة اجتماعية تحمي المجتمع من هذا الانهيار اليومي المتسارع. ونتيجته، أيضا، غياب سياسة ثقافية تنخرط بمسؤولية في المجتمع وفي كل مجالاته لتتشابك ومسؤولية المثقف وأدواره.
إننا نؤكد مرة أخرى أن تمثلات المسؤولين في وزارة الثقافة عن المجتمع في حاجة إلى مراجعة، وأن التاريخ لا يرحم الذين يحتقرون نخبة المجتمع ويسيئون إلى التراكم الإيجابي وقيمه العليا ، وان صراعنا، ليس مع الأشخاص، وإنما مع انسداد الأفق وغياب الوعي التاريخي، والذي كان وراء عدم فتح حوار حقيقي وعاجل مع الفاعلين الثقافيين والجمعيات والمؤسسات والناشرين والكتبيين من أجل صياغة المبادئ الكبرى والواضحة.
صراعنا جملة غير مفصولة عن كل جُملنا التي نكتبها شعرا وقصة ومسرحية وفيلما ورواية ومقالة علمية ومحاضرة واكتشافا ونكتة ساخرة ونظرة بلا حجاب. صراعنا غير مفصول عن حضورنا اليومي في المجتمع وسط أهالينا وأصدقائنا، لذلك فنحن لا نحيا الفُصام الذي تحياه وزارة الثقافة وهي تحارب الثقافة !!
لسنا عدميين ولكننا نصارع ضد العدميين الذين يستخفون بالأمن الثقافي.
لا نعطي دروسا ولا نريد تسطير برامج كما نراها، ولكننا نُدْلي بمواقفنا التي تبدو لنا منسجمة مع جماليات التاريخ والخيال.
نحن فعلا مختلفون في الرؤية والتقدير. مسؤوليتكم مرتهنة بالحساب متى أخللتم بها، ومسؤوليتنا نابعة من أدوارنا في النقد.
أمام هذه المواقف العدائية وإصرار وزارة الثقافة على تجاهلها وسلبيتها، وتعبيرها عن عدميتها.
فإننا في المرصد المغربي للثقافة، الذي هو فضاء لأصوات كل المثقفين، في تداول واستشارات مستمرة .. وسنتخذ أشكالا علنية قريبا، لتقطع مع مواقف التفرج والصمت، ومن أجل اتخاذ موقف يصون روح الثقافة كما آمن بها المثقفون المغاربة.
النداء الذي وجهه الأستاذ حليفي نداء صوت حي يدرك بحكم تمرسه في مجال الثقافة، ما للثقافة من أهمية و أبعاد بالنسبة لأي مجتمع. أدرك ان الاستاذ حليفي في غنى عن هذا الكلام المتضمن للإطراء، لكن الذي أخشاه أن يكون كآخر جمرة متقدة في كانون تحول باقي الجمر فيه إلى رماد