بقلم: *عبد الواحد بلقصري*
إن الحديث عن المجتمع المدني يطرح بالنسبة لنا قضية معرفية كبيرة وهي أننا نلتقي مع هذا التعبير عند ثلاثة مفكرين غربيين أساسين :
ــ المفهوم الاول : هو المفهوم الهيكلي للمجتمع المدني والذي ينبني على اساس التمايز بين الدولة كتعبير عن سمو الفرد الى الكونية و المجتمع على اعتبار ان هدا المجتمع هو في حد ذاته بالنسبة لهيكل –مجموعة في المؤسسات التي لها وجود كذلك ككيان فالمجتمع المدني عند هيكل هو كيان يتميز عن الكيان الدولي
ــ أما المقاربة الثانية للمفهوم فنجدها عند جون لوك الانجليزي و الدي يعتبر أحد المفكرين الاساسين في الفكر الديمقراطي ومقاربة “جون لوك” للمجتمع المدني مقاربة متميزة جيدا وان كانت غير معروفة لدى عديد من الباحثين باستثناء الباحثين في تاريخ الفكر السياسي ويعتبر “جون لوك” أن المجتمع المدني هو مجتمع المدينة بالنسبة اليه هو مجتمع التحضر و التحضر القانون في علاقة الأفراد بعضهم بعض فالمجتمع المدني عند “جون لوك” يختلف عن المجتمع الساسي لكن مجتمع الدولة لكونه تعرض القانون كمعيار ومرجعية لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس و المجتمع المدني هنا هو مجتمع القانون على اساس ان القانون هو ضمان للحرية لا محد له .*1*
أما المقاربة الثالثة فنجدها عند “غرامشي” الذي حاول “غرامشي” أن يطرح موضوع المجتمع المدني في إطار نظرية السيطرة والهيمنة الطبقية ويستخدمها لإعادة بناء إستراتيجية الثورة الشيوعية أو التحررية، وبالنسبة ل”غرامشي” سواء كان ذلك في كتابه “الأمير الحديث” أو “دفاتر السجن” هناك مجالان رئيسيان يضمنان استقرار سيطرة البرجوازية ونظامها، المجال الأول هومجال الدولة وما تملكه من أجهزة، وفيه تتحقق السيطرة المباشرة، أي السياسة، والمجال الثاني هو مجال المجتمع المدني وما يمثله من أحزاب ونقابات وجمعيات ووسائل إعلام ومدارس وكنائس أو دور عبادة..الخ، وفيه تتحقق وظيفة ثانية لابّد منها لبقاء أي نظام وهي الهيمنة الأيديولوجية والثقافية، ولذلك لا يكفي للوصول إلى السلطة في نـــظر “غرامشي” والاحتفاظ بها السيطرة على جهاز الدولة ولكن لابّد من تحقيق الهيمنة على المجتمع، ولا يتّم ذلك إلاّ من خلال منظمات المجتمع المدني وعبر العمل الثقافي بالدرجة الرئيسية، وفي هذا التحليل يبلور “غرامشي” للحزب الشيوعي الطامح إلى السيطرة إستراتيجية جديدة تقول إنّ من الممكن البدء في معركة التغيير الاجتماعي المنشود، أي الشيوعي، من إستراتيجية ترتكز على العمل على
مستوى المجتمع المدني وتعبئة المثقفين لكسب معركة الهيمنة الأيديولوجية
والثقافية التّي ستلعب دورها في مساعدة الحزب على عبور الخطوة الثانية وهي
السيطرة على جهاز الدولة، ففي مقابل إستراتيجية الانقلاب العسكري
أو شبه العسكري يقترح “غرامشي” عملية التربية والتعبئة الشاملة للمجتمع،
أي السيطرة التدريجية .*2*
والفكرية على الأطراف التّي تنظم علاقاته اليومية، ففي منظور “غرامشي”،
المجتمع المدني هو المجال الذّي تتجلى فيه وظيفة الهيمنة الاجتماعية مقابل
المجتمع السياسي أو الدولة الذّي تتجلى فيه وتتحقق وظيفة السيطرة
أو القياة المباشرة، ولأنّ الهيمنة مرتبطة بالإيديولوجية فإنّ المثقفين هم أداتها، ومن هنا جاء حاجة “غرامشي” لإعادة تعريف المثقف وتحليل دوره والرهان الكبير الذّي وضعه عليه في التحويل الاجتماعي، لكن المراهنة على المجتمع المدني لم تلغ عند “غرامشي” دور الدولة ولا أهمية السيطرة عليها، فالعمل في إطار المجتمع المدني هو جزء من العمل في إطار الدولة وسياسة التحويل في المجتمع والدولة، لذلك لا قيمة للمثقف عند “غرامشي” ولا ضمان لفاعليته إلاّ إذا كان عضوياً، أي إذا ارتبط بمشروع طبقة سياسي، تماماً كما أنّ الهيمنة لا قيمة لها إلا كجزء أو مستوى من مستويات العمل لتحقيق السيطرة الاجتماعية، إنّها ليست منافية للسياسة ولكن مُكمّلة لها، وإن كانت متميّزة عنها، فالمجتمع المدني والمجتمع السياسي أو الدولة يسيران جنباً إلى جنب ويجمع بينهما في كل نظام وحدة ديناميكية السيطرة الاجتماعية.
إن توسع دائرة استعمال المجتمع المدني في حقل الكتابات السياسية العربية يدخل ضمن دائرة العناية المستجدة في الفكر العربي بالمنظومة السياسية الليبرالية، فقد انتعشت في العقدين الاخيرين ظاهرة الدفاع عن أطروحات المفاهيم الليبرالية والليبرالية الجديدة، لأن الملاحظ أن هذه الاعادة لم تعنى بالحفر في الاصول النظرية للمفاهيم المستعملة وفي الاستعمالات الرائجة لمفهوم المجتمع المدني ما يدل على عشوائية استعماله.
إن أغلب الذين يستعملون مفهوم المجتمع المدني؛ يوظفونه في سياق الاستعمال الايديولوجي الرامي إلى إصابة غايات أبعد من الإحاطة النظرية بمحتواه، إلا أن إطلاقه بدون ضبط ولا تحديد نظريين يساهم في تعميم البلبلة النظرية، وهي نتيجة لا نعتقد بفائدتها بالنسبة لكل الذين يجتهدون لاستثمار الدلالة الرمزية للمفهوم في سياق بناء دعاويهم وصياغة براهينهم، فعندما تضيع الملامح النظرية الدنيا للمفهوم تختلط المقاصد السياسية ويصعب إدراكها وإدراك غايتها.
وعندما تتوفر إرادة التأصيل النظري للمفهوم في الفكر السياسي تصبح الحاجة ماسة إلى معرفة حدوده وصيرورة تطوره وذلك للتمكن من تجاوز استعماله الأداة الاعتباطي الى مستوى المساهمة في صياغة أبعاده الجديدة المرتبطة بصيرورة المجتمع العربي في علاقته بالدولة السائدة في مختلف أقطاره، وفي هذا بالذات تتحول خصوصية المجتمع العربي الى دائرة فاعلة في مجال اعادة انتاج المفاهيم الفلسفية و السياسية المساعدة على فهم الدولة والمجتمع .
واضح إذن من التقديم السابق اننا نسلم بالدلالية الملتبسة والمتناقضة والمفتوحة لمفهوم المجتمع المدني في دائرة استعمالاته الرائجة في الفكر السياسي العرب المعاصر وضمن هذا الإطار نقدم محاولة أولية في باب حصر الدوائر الفكرية التي ساهمت في صياغة حدوده وذلك بالصورة التي تقربنا من رصد تنوع دلالاته وهو امر مفيد في مجال التاريخ الفكري للمفهوم وقد يساهم في تقليص درجة الارتباك الحاصلة اليوم في مجال تداوله في الكتابة السياسية المعاصرة.
عندما ظهر إذن مفهوم المجتمع المدني في القرن السابع عشر، وفي إطار المنظومة الفكرية السياسية الحديثة، كان يرادف مفهوم الدولة، الدولة باعتبارها اله اصطناعيه، ساعه كبيره ،تتجه نحو ضبط سلوك الافراد ،وحمايه أمنهم وسلامتهم وما يملكون، وقد ابرز هوبز ان الانتقال من حاله الطبيعة إلى حاله المجتمع المدني، حيث تنشا السلطة السياسية يعني الانتقال من حياه الاقتتال المتواصل إلى حاله الأمن والسلم.
وقد وضح كل من “جون لوك” و”جان جاك روسو” أهمية المجتمع المدني كمحصلة للتعاقد في تنظيم المجتمع انطلاقا من شرعية المصلحة وضد كل وصاية سماوية.*3*
أما فيما يخص التطورات التاريخية للمجتمع المدني بالمغربي، فتمت تنظيمات اجتماعية كثيرة بالمجال الحضري والقروي والدور الذي لعبته الاعراف والتقاليد في تشكيل هده التنظيمات
لكن المغرب في مرحلة الحماية سيقنن مجال عمل الجمعيات بعدما شعرت السطات الحماية بارتفاع عدد التنظيمات السرية التي اخذت المقاومة كهدف اهم لها سارعت إلى إصدار ظهير شريف سنة 1914 وهو مأخوذ من القانون الفرنسية ل1 يوليوز 1901 حتى تتمكن من ضبط هده التنظيمات، وبالتالي تمكين شخصين أو أكثر أن يؤسسا جمعية شريطة أن لا تهدف إلى توزيع الأرباح بين أعضائها أو المس بالأخلاق العامة وأمن الدولة وأن العمل الجمعوي في مرحلة الحماية هيمنت عليه الغيرة الوطنية ولم يخلق لنفسه برامج متميزة عن الحركة الوطنية .
وقد عرف ظهير 1914 عدة تغييرات وصولا الى ظهير 15 نونبر 1956 الذي من خلاله تم تثبيت الدعائم الأساسية المتعلقة بالحريات العامة في مغرب ما بعد الحماية وهو مستمد من القانون الفرنسي المنظم للجمعيات والصادر سنة 1901، وسيعرف ظهير 1958 هو بدوره تغييرات كثيرة تم إبرازها في ظهير 10 أبريل 1973 وخاصة على وجه التحديد القسم المتعلق بحرية الجمعيات .
لقد استمرت الجمعيات في شكلها التقليدي، ولم يستطيع النسيج الجمعوي في المغرب إنتاج جمعيات جديدة قادرة على التطوير من أدائها والانتقال من دور تقديم المساعدات والإعانات إلى حمل مشاريع تنموية بقدر كبير من المهنية . إلا أن سنوات الثمانينات عرفت تميزا كبيرا بميلاد صنف جمعوي جديد، تختلف من حيث البناء التنظيمي والأهداف المنشودة وطرق الاشتغال وإدارة المشاريع ثم الفئات المستهدفة من تدخلاته، ومن هنا كانت الحاجه الى اجراء تعديل جديد على قانون الحريات العامة بهدف مواكبة التحولات التي عرفها المغرب على مختلف الأصعدة، ثم تطوير العمل الجمعوي بالمغرب تتجلى في مجمل السياسات التي اتبعها المغرب في مجال التنمية، والتي أثبتت أخيرا فشلها الملحوظ لأن الدولة كانت تتبنى تنميه تفرض من الأعلى إلى الأسفل، حيث ترتكز أولوياتها اكثر على توفير المواد الغذائية أو مدهم بالخدمات.
كما أن قانون الحريات العامة بالمغرب ركز اهتمامه على التوجيه والاخذ بالعمل الجمعوي إلى تطوير قدراتهم ووظائفهم؛ إذ يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدني بلوره مواقف جماعية من القضايا والتحديات التي تواجه اعضائها وتمكنهم من التحرك جماعيا لحل مشاكلهم وضمان مصالحهم على اساس هذه المواقف الجماعية تمارس هذه الوظيفة بشكل اساسي من خلال النقابات المهنية والغرف الفلاحية أي ما يعرف في جماعه الضغط للدفاع على مصالح هذه الهيئات من خلال هذه الوظيفة يتعلم الاعضاء كيفيه بحث مشاكلهم ودراسة الاوضاع القائمة في المجتمع وتحديد كيفيه الحفاظ على مصالحهم في مواجهه مصالح فئات اخرى وصياغتي مطالبها المحددة الثالثة وظيفه حسم وحل الصراعات حيث يتم بوسائل وديه دون اللجوء إلى الدولة وبذلك فان مؤسسات المجتمع المدني تجنب اعضائها الجهد والوقت وتساهم في تقويه اللحمة والتضامن الجماعي في ما بينهم واذا كانت الديمقراطية بالمفهوم الإجرائية لها هي صفه الإدارة الصراع في المجتمع بوسائل سلميه فان حل المنازعات بين الاعضاء وبوسائل الودية داخل مؤسسات المجتمع المدني هو أساس ممارسه الصراع سلميا على مستوى المجتمع بين الطبقات والقوى الاجتماعية والسياسية.
المراجع والهوامش :
1-T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE 124.
T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE
3-T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE 125)
*باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة