“تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب بين الخطاب الرسمي ومعوقات التنزيل” محور ندوة فكرية بخنيفرة

المصطفى باعلي

كان مركز تكوين وتأهيل المرأة، أمس، على موعد مع ندوة فكرية من تنظيم جمعية “أمغار” للثقافة والتنمية بخنيفرة، وتأطير كل من ذ.مصطفى أوموش ود.خالد الزراري وتسيير ذ.محمد أبازي، حول موضوع :”تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب بين الخطاب الرسمي ومعوقات التنزيل”. كنا عرف حضور أطر أكاديمية وفعاليات ثقافية وفنية.

وتمحور النقاش حول مجموعة من القضايا المرتبطة بالثقافة الأمازيغية كمكون أساسي للهوية المغربية في بعدها الحضاري الممتد في عمق التاريخ المغربي لأكثر من 12 قرنا، الشيء الذي يضفي عليها طابع المشروعية التاريخية في صياغة بعدها الحقوقي. من هذا المنطلق يرى الأستاذ مصطفى أوموش أن أجواء الانفراج السياسي اتجاه الثقافة الأمازيغية في بداية الألفية الثالثة، جعل الحركة الأمازيغية المدنية تحقق مجموعة من المكتسبات، على علتها وهشاشتها، يبقى أهمها دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، وظهور ارهاصات مشروع تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، رغم إكراهات الانطلاقة. إلا أن هذه المسألة، يضيف المتدخل، تبقى على مستوى التنزيل مرتبطة بالقانون التنظيمي الذي يحتوي على صيغ ذات محتوى ضبابي بمفاهيم ملتبسة. رغم ذلك يبقى تعميم تدريس اللغة الأمازيغية مشروعا طموحا يجد مبرراته في الإنتماء الوجودي، إلا أنه يصطدم بمعيقات التكوين الأكاديمي للأطر وغياب اعتمادات مالية تجعل منه معطى واقعي، ورغم بلوغ نسبة 19،37% من التلاميذ الذين يستفيدون من دراسة الأمازيغية، فإنها، حسب ذ.مصطفى أوموش، تبقى دون الطموح المنشود والمعلن في برامج الوزارة المعنية، خاصة، أن المذكرة الصادرة بتاريخ 19 أبريل 2024 والتي تتحدث عن بلوغ نسبة 50% في أفق 24-25 صعبة التحقق في ظل خصاص كبير في عدد الأساتذة الذين لا يتجاوز عددهم 1700 في حين يتطلب تعميم اللغة الأمازيغية بالإبتدائي فقط 18000 أستاذ. الأمر الذي يبدو صعب المنال في ظروف الأرقام والتجهيزات الحالية. ومن المعيقات التي تجعل من طموح تعميم اللغة الأمازيغية بمختلف مسالك الدراسة( تعليم أولي،ابتدائي ،إعدادي، تأهيلي) الطابع المزاجي للوزراء المتعاقبين على وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ناهيك عن الخلفيات السياسية لأحزاب هؤلاء الوزراء، وغياب رؤية واضحة في هذا الاتجاه، وقبل هذا وذاك إرادة سياسية صارمة في اتخاذ القرارات وتوفير آليات تنزيلها.

وعطفا على ما ذهب إليه ذ .مصطفى أوموش، يرى الدكتور خالد الزراري في مداخلته ” المشهد السوسيو لغوي بالمغرب” أن ما يعرقل القانون التنظيمي هو طابعه الرسمي، بحيث، لتهيئة اللغة لابد من عمل جدي، وهذا ما لا نلمسه في مختلف برامج المؤسسات المرتبطة بهذا الشأن. وكمؤشر على ذلك، الغياب الكلي للأمازيغية بالتعليم الأولي وكذا معوقات تنزيلها بالتعليم الخصوصي. كما أن اللغة الأمازيغية، يؤكد المتحدث، تعاني حيفا كبيرا مقارنة باللغات الأخرى ما دام التعامل معها يتم وفق مبدأ “لغة مدرسة وليست لغة للتدريس”. كما أن توظيف بعض المفاهيم التي يعتريها الاحتمال بدل أن يتسيدها اليقين الذي يتأسس بناء على لغة تقريرية صارمة في مضامينها، من قبيل “يمكن إحداث…”، “يراعي ..” وهي أفعال، الفاعل فيها مضمر خلف ضبابية مفهوم الدولة المستعمل في صياغة البرامج، أو مبنية للمجهول، الشيء الذي يجعل منها عبارات فضفاضة تقبل التأويل في كل الاتجاهات، وبالتالي تعويم المعنى وغياب تحديد المسؤوليات المرتبطة بالجهة المنوطة بعملية إنجاز الفعل، وبالتالي غياب المحاسبة في تقييم الحصيلة.

كما يرى د.خالد الزراري على أن أهم مؤشر على غياب فاعلية السياسات المتبعة في تعميم اللغة الأمازيغية، كحق دستوري، غيابها في مختلف مناحي الحياة العمومية خاصة المحاكم والمؤسسات العمومية، وحث في هذا الإطار على ضرورة تجاوز العقلية الضيقة التي كانت وراء صياغة الظهير البربري لسنة 1930، وتجديد خطاب الحركة الأمازيغية بما يتناسب وإقرار حقوقها الثقافية واللغوية في تشكل شخصية الإنسان المغربي ذات التركيبة الفسيفسيائية التي تغرف من مختلف الحضارات التي تواكبت عبر التاريخ على أرض المغرب الأقصى.

المحاضران معا أشارا إلى أنه لا يجب النظر إلى ترسيم رأس السنة الأمازيغية كيوم عطلة، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى معطى تاريخي يجب أن تكون له تبعاته الثقافية. وتطابقت مداخلات المحاضران في تقييمهما للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة أكاديمية استشارية تعنى بالبحث العلمي، راكمت العديد من المكاسب الثقافية والمعرفية.

هذا وأغنت مداخلات الحضور النوعي الذي تابع الندوة مختلف محاورها، حيث انصبت على توجيه نقد مزدوج: الأول يخص برامج الدولة في توجهاتها التربوية والثقافية في تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، والثاني يهم الإنسان الأمازيغي كناطق بهذه اللغة.