بقلم *د. حنان أتركين*
الطائرة الرئاسية تقل حارس الأختام، لكي لا تقولوا بأن الطائرات الرئاسية الجزائرية توضع رهن إشارة بن بطوش ورهطه فقط، تشق الطريق شقا، بسرعة قياسية والوجهة العاصمة الرباط التي قطعت العلاقات معها، وأغلقت الأجواء الجوية في وجهها…واليوم تفتح استثناء لأن موفد الثنائي (تبون وشنقريحة)، يحمل رسالة دعوة إلى جلالة الملك لحضور قمة الجامعة العربية، التي لا زال الكهنة يضربون الأخماس في الأسداس بخصوص انعقادها…
تحل الطائرة بالمطار، ليتجه حارس الأختام، المؤتمن على حراسة رسالة الدعوة، إلى مقر وزارة الخارجية، ليلاقيه وزير الخارجية المغربي…يُصر حارس الأختام على الامتثال للبرتوكول وللصورة التي لقنت له، والتي كلف بتطبيقها حرفا…لا ابتسامة، ولا حرارة في التحية، ولا حديث مطول…برأس مطأطأ يلج إلى قاعة الاستقبال، يحاور وزير الخارجية، وعيناه لا تفارقان الرسالة التي أصر على مسكها مسكا حتى اعتقد ناصر بوريطة أنها لن تسلم إليه…هذا الأخير بدوره أمسك بتلابيب الرسالة لكي لا تنفلت منه…ولأن مبدأ “المعاملة بالمثل” مبدأ مقرر في العلاقات الدولية، فقد قوبل الجفاء بالجفاء…
بمجرد انتهاء عملية التسليم، سيقرر حارس الأختام العودة من حيث أتى، فهو رافض لاستراحة في فندق من خمس نجوم، أو أخذ وجبة غذاء…خوف من ماذا، أي رسالة تاوية من هذا التصرف؟ …يعود حارس الأختام إلى المطار من جديد، ليعيد عكس الرحلة، قاصدا منطلق رحلته…حارس الأختام ضحية مزاج “العصابة” وعقدتها، واضطرارها إلى الإقدام على هذه الخطوة…ماذا يريدون أن يبلغوا لنا؟ أن هذه الزيارة ليست انفراجا في العلاقات بين البلدين ولا إغلاقا لقوس سوء الفهم الكبير الذي تسببت فيه تصرفات رعناء؟…لكن من فهم هذا الفهم، فالجميع يعرف أن المغرب عقدة للجيش، وباسمه يحكم، وبعدائه يشرعن كل شيء…هذا الموضوع لا يحتاج لفهمه إلى كتابات عبد الله العروي ولا إلى أبحاث وخلاصات بنجامين ستورا…فداء العطب قديم كما قال الحجوي في سياق آخر…
الصحافة الجزائرية لم تنقل الخبر، ولم تعطه ما يستحق من تغطية، وكأن الزيارة لم تتم، وكأن الرسالة لم تسلم…إنها تصرفات تعكس ما آل إليه المزاج العام، بعد غزوة نيروبي، وفضيحة البيرو، وتزايد مسلسلات فتح القنصليات بأقاليمنا الجنوبية، وقوة خطاب رئيس الحكومة في الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة…الجزائر لا تريد دعوة المغرب إلى القمة…لكنها تعرف أن كلفة ذلك مرتفعة، فهي قد جست النبض وأتاها الخبر اليقين من عواصم الخليج، ومن قاهرة المعز…فتراجعت مضطرة، لأنها لا تعرف سوى اللغة التي تتقنها وهي الوعيد والتهديد…
بتصرفات حارس الأختام نقيس درجة الترحيب ببلادنا في القمة العربية المقبلة، بعجلته نقيس وقع المنجز الديبلوماسي لبلادنا، بتجاهل الإعلام الجزائري نقيس قوة الطرح المغربي لدى الوسط العربي، وبسرعة قيادة الطائرة نقيس الورطة التي وجدت الجزائر نفسها فيها، وهي دعوة بلد قطعت معه العلاقات، وتكن له العداء اليومي لأسباب يعرف الكل ظاهرها وباطنها…
حارس الأختام يعود إلى الجزائر، في إتقان كبير لدور “ساعي البريد”…لكن سؤال مفتوح، بقي عالقا بذهني، ما هي “الأختام” التي يحرسها؟ لقد تذكرت قصة “النقال” الذي لا يعرف ما ينقل من ورقة زميله…فلقد تم نقل الإسم من فرنسا، دون نقل الأختام…فعذرا ماما فرنسا على هذا السهو…
*عضو لجنة الخارجية بمجلس النواب