الرشوة في قطاع العدالة و السبيل إلى الإصلاح :
إذا كانت العدالة لا تحلق إلا بجناحين، فإن إصلاحها لن يكون إلا بإصلاح الجناحين و بتعاونهما.
إن أغلب من سمع أو اطلع على وقائع الملف الأخير الذي هز محاكم الدار البيضاء و معها أركان العدالة في المغرب ، أو على مضمون التسجيل الصوتي الذي جرى بين قضاة بغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بنفس المدينة و رئيسة غرفة بمحكمة النقض العضوة السابقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لم يتفاجأ بحجم المعطيات و لا بقوة الوقائع و لا بخطورتهما لسبب واحد هو أن محاكم المغرب تعج بهذا النوع من الأحداث ، لكن الفارق الوحيد هو أن ما يجري بشكل يومي يظل حبيس أروقة المحاكم و المجالس الخاصة و لا يصل إلى القضاء كما لا يتم نشره أو بالأحرى فضحه أمام الملإ. و السبب في ذلك يعود إلى تفشي الفساد بشكل كبير و استفاذة أطراف كثيرة من الوضع القائم ، و عدم وجود رغبة حقيقة في تخليق منظومة العدالة و اجتثات الأورام التي تنخرها من أشباه قضاة و محامين و موظفين و من يدور في فلكهم ، و من السماسرة و العموميين ” جمع لكلمة العمومي سمسار القضاة بالدار البيضاء” الذين يطوقون جنبات و أسوار المحاكم. فمن يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ و ما السبيل للإصلاح؟
أعتقد أن المسؤولية عن هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه قطاع العدالة في المغرب ، مشتركة و متشابكة بين كثير من الجهات التي لها صلة بالموضوع بدءا بالحكومات المتعاقبة و سياساتها الفاشلة في تخليق المرافق العمومية و غياب أي رغبة لديها في نشر قيم الشفافية و النزاهة لدى موظفيها و مرتفقيها و بالمقابل تغاضيها و تطبيعها مع المحسوبية و الزبونية و اللامساواة في الاستفاذة في خدماتها، مرورا بما عرفته وزارات العدل منذ فجر الاستقلال إلى حين إعلان ميلاد السلطة القضائية و استقلالها من تكريس و تشجيع لنفس القيم التي تعرفها باقي المرافق العمومية في ظل عدم وجود أية رغبة في تحقيق استقلال القضاء و ضمان نزاهة أحكامه ، و في ظل غياب أي اهتمام بالعنصر البشري يصبو إلى تحسين الوضعية المادية للقضاة مقابل التساهل الكبير مع ما يعرفه القطاع من تفشي للرشوة و غض السمع و البصر عن المرتشين ، إضافة إلى ازدهار مختلف أشكال التأثير و التدخل في القضاء ، و انتهاء بما عرفه مخاض الإعلان عن استقلال السلطة القضائية و الوضعية الانتقالية التي فرضها دستور 2011 ، و اللذان أعقبهما إجراء أول انتخابات للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و هي الانتخابات التي و إن سمحت بصعود بعض الوجوه الجديدة المدافعة عن قيم النزاهة و الشفافية و المساواة أمام القانون، إلا أن استمرار بعض الوجوه القديمة التي تحملت جزءا من المسؤولية عن الوضع السابق ، ساهم في تعطيل انطلاقة قطار الإصلاح الحقيقي. و قد نتج عن المخاض المذكور انفجار واحد من أسوإ الملفات التي زلزلت عرش العدالة في عهد استقلال السلطة القضائية حيث توبع نائب لوكيل الملك رفقة مجموعة من الموظفين بجناية تكوين عصابة إجرامية و الارتشاء و النصب و غيرها من التهم التي اعتدناها ترتكب من طرف مجرمين ينتمون إلى عالم آخر بعيدا عمن يشتغل في فضاء العدالة. و هو الملف الذي كان أحد الأسباب الرئيسية في إعفاء الرئيس المنتدب السابق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. و ها هي شظايا نفس الملف ما زالت تتطاير في سماء الدار البيضاء لتسقط هذه المرة قضاة آخرين و محام و موظفين و ضباط شرطة قضائية و رجل سلطة و لم تسلم منها حتى عاملات النظافة بالمحكمة. مما يؤكد أن الورم أصاب جل مناطق جسم العدالة. لكن الأكيد أن هذا الوضع غير مقتصر على محاكم الدار البيضاء فقط، بل هو نفسه في محاكم طنجة، تطوان، الرباط ، القنيطرة و غيرها. فوجود قضاة مرتشين و محامين و موظفين وسطاء ، و بينهم سماسرة يصولون و يجولون و يتحكمون في مصائر العباد، أمر لم يعد مفاجئا لأحد إلا لأصحاب ” عدالتنا بخير”. أما المهتمون بالشأن القضائي و الأشخاص ذوي المصالح فيعرفون جيدا أن الرشوة تتلألأ في فضاء العدالة في شعب بعينها داخل بعض المحاكم و مع قضاة بأسمائهم. لكن علاج هذا المشكل ليس بالأمر الهين أو البسيط لتشابك خيوطه بين أكثر من جهة. و رغم ذلك يبقى التدخل بالحزم و الصرامة اللازمين أنجع وسيلة لوقف النزيف. و لأن أطراف الرشوة غالبا إثنان: أولهم الراشي و هو المتقاضي، و ثانيهم المرتشي و هو القاضي ،و قد يكون هناك طرف ثالث هو الرائش بينهما أو الوسيط الذي قد يكون سمسارا أو محاميا أو موظفا أو غيرهم ، فإن لا بد من التركيز على أيسر الطرق و أقربها. فإذا كانت الرشوة متفشية في المجتمع و بين المواطنين بشكل كبير فإنه يصعب في قطاع العدالة التركيز على المواطن باعتباره هو الراشي . لكن في المقابل يبقى التركيز على القاضي الطريق الأقرب إلى تحقيق الهدف. لأجل ذلك و قبل التفكير في زجر المرتشين يتعين أن يتم البحث في الأسباب الدافعة لطلب الرشوة أو قبولها من طرف بعض القضاة. فإذا كان البعض يلجأ إليها من شدة جشعه ، فإن البعض الآخر يلجأ إليها من شدة الحاجة. هنا و لسد الطريق على هذا النوع من الذرائع لا بد من تحسين الوضعية المادية للقاضي كالتزام يقع على عاتق الدولة، بالشكل الذي يضمن عيشا كريما له و لأسرته في ظل وضع اقتصادي و اجتماعي سمته البارزة غلاء الأسعار في كل شيء. و بتمتيع القاضي بحقوقه المادية سيتم إغلاق باب التذرعالرشوة في قطاع العدالة و السبيل إلى الإصلاح:
إذا كانت العدالة لا تحلق إلا بجناحين، فإن إصلاحها لن يكون إلا بإصلاح الجناحين و بتعاونهما.
إن أغلب من سمع أو اطلع على وقائع الملف الأخير الذي هز محاكم الدار البيضاء و معها أركان العدالة في المغرب ، أو على مضمون التسجيل الصوتي الذي جرى بين قضاة بغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بنفس المدينة و رئيسة غرفة بمحكمة النقض العضوة السابقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لم يتفاجأ بحجم المعطيات و لا بقوة الوقائع و لا بخطورتهما لسبب واحد هو أن محاكم المغرب تعج بهذا النوع من الأحداث ، لكن الفارق الوحيد هو أن ما يجري بشكل يومي يظل حبيس أروقة المحاكم و المجالس الخاصة و لا يصل إلى القضاء كما لا يتم نشره أو بالأحرى فضحه أمام الملإ. و السبب في ذلك يعود إلى تفشي الفساد بشكل كبير و استفاذة أطراف كثيرة من الوضع القائم ، و عدم وجود رغبة حقيقة في تخليق منظومة العدالة و اجتثات الأورام التي تنخرها من أشباه قضاة و محامين و موظفين و من يدور في فلكهم ، و من السماسرة و العموميين ” جمع لكلمة العمومي سمسار القضاة بالدار البيضاء” الذين يطوقون جنبات و أسوار المحاكم. فمن يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ و ما السبيل للإصلاح؟
أعتقد أن المسؤولية عن هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه قطاع العدالة في المغرب ، مشتركة و متشابكة بين كثير من الجهات التي لها صلة بالموضوع بدءا بالحكومات المتعاقبة و سياساتها الفاشلة في تخليق المرافق العمومية و غياب أي رغبة لديها في نشر قيم الشفافية و النزاهة لدى موظفيها و مرتفقيها و بالمقابل تغاضيها و تطبيعها مع المحسوبية و الزبونية و اللامساواة في الاستفاذة في خدماتها، مرورا بما عرفته وزارات العدل منذ فجر الاستقلال إلى حين إعلان ميلاد السلطة القضائية و استقلالها من تكريس و تشجيع لنفس القيم التي تعرفها باقي المرافق العمومية في ظل عدم وجود أية رغبة في تحقيق استقلال القضاء و ضمان نزاهة أحكامه ، و في ظل غياب أي اهتمام بالعنصر البشري يصبو إلى تحسين الوضعية المادية للقضاة مقابل التساهل الكبير مع ما يعرفه القطاع من تفشي للرشوة و غض السمع و البصر عن المرتشين ، إضافة إلى ازدهار مختلف أشكال التأثير و التدخل في القضاء ، و انتهاء بما عرفه مخاض الإعلان عن استقلال السلطة القضائية و الوضعية الانتقالية التي فرضها دستور 2011 ، و اللذان أعقبهما إجراء أول انتخابات للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و هي الانتخابات التي و إن سمحت بصعود بعض الوجوه الجديدة المدافعة عن قيم النزاهة و الشفافية و المساواة أمام القانون، إلا أن استمرار بعض الوجوه القديمة التي تحملت جزءا من المسؤولية عن الوضع السابق ، ساهم في تعطيل انطلاقة قطار الإصلاح الحقيقي. و قد نتج عن المخاض المذكور انفجار واحد من أسوإ الملفات التي زلزلت عرش العدالة في عهد استقلال السلطة القضائية حيث توبع نائب لوكيل الملك رفقة مجموعة من الموظفين بجناية تكوين عصابة إجرامية و الارتشاء و النصب و غيرها من التهم التي اعتدناها ترتكب من طرف مجرمين ينتمون إلى عالم آخر بعيدا عمن يشتغل في فضاء العدالة. و هو الملف الذي كان أحد الأسباب الرئيسية في إعفاء الرئيس المنتدب السابق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. و ها هي شظايا نفس الملف ما زالت تتطاير في سماء الدار البيضاء لتسقط هذه المرة قضاة آخرين و محام و موظفين و ضباط شرطة قضائية و رجل سلطة و لم تسلم منها حتى عاملات النظافة بالمحكمة. مما يؤكد أن الورم أصاب جل مناطق جسم العدالة. لكن الأكيد أن هذا الوضع غير مقتصر على محاكم الدار البيضاء فقط، بل هو نفسه في محاكم طنجة، تطوان، الرباط ، القنيطرة و غيرها. فوجود قضاة مرتشين و محامين و موظفين وسطاء ، و بينهم سماسرة يصولون و يجولون و يتحكمون في مصائر العباد، أمر لم يعد مفاجئا لأحد إلا لأصحاب ” عدالتنا بخير”. أما المهتمون بالشأن القضائي و الأشخاص ذوي المصالح فيعرفون جيدا أن الرشوة تتلألأ في فضاء العدالة في شعب بعينها داخل بعض المحاكم و مع قضاة بأسمائهم. لكن علاج هذا المشكل ليس بالأمر الهين أو البسيط لتشابك خيوطه بين أكثر من جهة. و رغم ذلك يبقى التدخل بالحزم و الصرامة اللازمين أنجع وسيلة لوقف النزيف. و لأن أطراف الرشوة غالبا إثنان: أولهم الراشي و هو المتقاضي، و ثانيهم المرتشي و هو القاضي ،و قد يكون هناك طرف ثالث هو الرائش بينهما أو الوسيط الذي قد يكون سمسارا أو محاميا أو موظفا أو غيرهم ، فإن لا بد من التركيز على أيسر الطرق و أقربها. فإذا كانت الرشوة متفشية في المجتمع و بين المواطنين بشكل كبير فإنه يصعب في قطاع العدالة التركيز على المواطن باعتباره هو الراشي . لكن في المقابل يبقى التركيز على القاضي الطريق الأقرب إلى تحقيق الهدف. لأجل ذلك و قبل التفكير في زجر المرتشين يتعين أن يتم البحث في الأسباب الدافعة لطلب الرشوة أو قبولها من طرف بعض القضاة. فإذا كان البعض يلجأ إليها من شدة جشعه ، فإن البعض الآخر يلجأ إليها من شدة الحاجة. هنا و لسد الطريق على هذا النوع من الذرائع لا بد من تحسين الوضعية المادية للقاضي كالتزام يقع على عاتق الدولة، بالشكل الذي يضمن عيشا كريما له و لأسرته في ظل وضع اقتصادي و اجتماعي سمته البارزة غلاء الأسعار في كل شيء. و بتمتيع القاضي بحقوقه المادية سيتم إغلاق باب التذرع بالوضعية المادية كسبب لطلب أو قبول الرشوة على الأقل بالنسبة لضعاف النفوس. لكن في المقابل سيتم تهيئة كل الظروف لزجر اي مرتشي. و هنا تقع أولى المسؤوليات على المجلس الأعلى للسلطة القضائية في نسخته الثانية و التي توسمنا فيها خيرا من خلال الوجوه و الطاقات التي يزخر بها و التي كانت إلى عهد قريب من أكثر المدافعين عن استقلال القضاء و نزاهته ، أو من خلال شخص الرئيس المنتدب الذي لم يترك فرصة تمر دون أن يبدي نيته و رغبته في تخليق فضاء العدالة. لكن لن يكون المطلوب من هذا المجلس انتظار انفجار الفضائح ليتحرك من أجل الزجر أو انتظار تقديم شكايات للبحث فيها ، بل يمكنه القيام بمبادرات استباقية قد تساهم في حلحلة الوضع القائم و ذلك من خلال تنظيم موائد مستديرة داخل فضاء منظومة العدالة و لما لا إجراء مشاورات مع من يشتغل في هذا الفضاء و يعرف عنه كل صغيرة و كبيرة. و هنا أقصد ضرورة إشراك المحامين من خلال مؤسساتهم المهنية أو كأشخاص باعتبار المحاماة هي الجناح الثاني للعدالة إلى جانب القضاء و لا يمكن تصور إصلاح العدالة دون تعاون بين جناحيها. فإذا كان هناك محامون وسطاء و سماسرة يستفيذون من وضعية الفساد و الرشوة التي تنخر المنظومة و يرغبون في بقاء الوضع على ما هو عليه، فإن أغلب المحامين متضررون من هذا الوضع. كما أن هناك فئة عريضة منهم وضعت على عاتقها طوعا العمل على إعلاء و سمو قيم النزاهة و الشفافية و سيادة القانون في فضاء العدالة و المساواة بين المواطنين في رحابها. فالمحامون هم الفئة الأكثر اطلاعا على واقع العدالة و الأكثر جرأة و استعدادا للتنبيه لمكامن الخلل داخل كل محكمة ، و على مستوى كل هيئة قضائية ، بل هم مستعدون لتقديم أرقام ملفات شابتها شبهات و طبيعة الإخلالات التي عرفتها. و ما على المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلا فتح الباب أمام هؤلاء لتقديم مساعدتهم في خدمة عدالة بلدهم .و بعد ذلك القيام بدوره كاملا و باستقلالية في البحث و التحقيق عبر المفتشية العامة ، في انتظار ترتيب الجزاءات القانونية اللازمة إذا تطلب الأمر ذلك. أما الاستمرار في هذا الدور التقليدي و انتظار انفجار الفضيحة للتدخل فإنه سيساهم في مزيد من التأزيم للوضع القائم و الأكيد أن صورة بلدنا هي المتضرر الأكبر. إذ ليس هناك ما هو أخطر من أن يتابع قاض و محام بتكوين عصابة إجرامية.
أما على مستوى المحاماة، فإن استمرار ثلة من المحامين في العبث بالعدالة من خلال بعض السلوكات الشاذة سواء في علاقاتهم بقضاة مرتشين أو بمعزل عن ذلك، يستدعي إيلاء اهتمام أكبر بهذا الجسم سواء على مستوى تنظيم الولوج للمهنة الذي أصبح يسير في اتجاه المجهول خاصة بعد حجم الأفواج الهائلة التي أصبحت تلتحق بالمهنة في العقد الأخير في غياب أي اهتمام من طرف الدولة بفئة المتمرنين على مستوى التكوين و في غياب أي دعم لهم بعد إنهاء فترة التمرين حيث تجد فئة عريضة منهم نفسها غير قادرة على إثبات وجودها في المهنة نظرا لغياب تكافؤ الفرص و شروط المنافسة المشروعة إلا عبر الانحراف نحو السمسرة و الوساطة لمواجهة صعوبات البداية و تكاليفها، إضافة إلى جنوح المغضوب عليهم من القضاء بسبب فسادهم لولوج المهنة و فرضهم بالغصب عليها من طرف زملائهم القضاة بعد رفضهم من طرف مجالس الهيئات ، أو على مستوى انتخاب الأجهزة المشرفة على تدبير شؤون المهنة و تحكم الطموح الانتخابي في العلاقات المهنية لتصبح عائقا أمام سلوك مسطرة التأديب في مواجهة العابثين لدى بعض المجالس ، أو على مستوى تقوية و دعم دور الأجهزة المهنية في الشق المتعلق بالتأديب إذ هي كثيرة المقررات التأديبية الهادفة لتخليق المهنة التي تم كسرها بعد الطعن فيها لأسباب تطرح تساؤلات كثيرة حول نزاهة القضاء ، رغم أن بعض المجالس – و على قلتها – أبدت عبر تاريخ المهنة رغبة ملحة في تخليق المحاماة. و هو ما يستدعي خلق آلية جديدة للنظر في الطعون ضد مقررات المجالس التأديبية.
خلاصة القول، إن الحديث عن أي إصلاح للعدالة بالتركيز على القضاء فقط و إهمال المحاماة و تغييب المحامين مؤسسات و أفراد سيجعل مآل أي محاولة للإصلاح هو الفشل. بالوضعية المادية كسبب لطلب أو قsبول الرشوة5 على الأقل بالنسبة لضعاف النفوس. لكن في المقابل سيتم تهيئة كل الظروف لزجر اي مرتشي. و هنا تقع أولى المسؤوليات على المجلس الأعلى للسلطة القضائية في نسخته الثانية و التي توسمنا فيها خيرا من خلال الوجوه و الطاقات التي يزخر بها و التي كانت إلى عهد قريب من أكثر المدافعين عن استقلال القضاء و نزاهته ، أو من خلال شخص الرئيس المنتدب الذي لم يترك فرصة تمر دون أن يبدي نيته و رغبته في تخليق فضاء العدالة. لكن لن يكون المطلوب من هذا المجلس انتظار انفجار الفضائح ليتحرك من أجل الزجر أو انتظار تقديم شكايات للبحث فيها ، بل يمكنه القيام بمبادرات استباقية قد تساهم في حلحلة الوضع القائم و ذلك من خلال تنظيم موائد مستديرة داخل فضاء منظومة العدالة و لما لا إجراء مشاورات مع من يشتغل في هذا الفضاء و يعرف عنه كل صغيرة و كبيرة. و هنا أقصد ضرورة إشراك المحامين من خلال مؤسساتهم المهنية أو كأشخاص باعتبار المحاماة هي الجناح الثاني للعدالة إلى جانب القضاء و لا يمكن تصور إصلاح العدالة دون تعاون بين جناحيها. فإذا كان هناك محامون وسطاء و سماسرة يستفيذون من وضعية الفساد و الرشوة التي تنخر المنظومة و يرغبون في بقاء الوضع على ما هو عليه، فإن أغلب المحامين متضررون من هذا الوضع. كما أن هناك فئة عريضة منهم وضعت على عاتقها طوعا العمل على إعلاء و سمو قيم النزاهة و الشفافية و سيادة القانون في فضاء العدالة و المساواة بين المواطنين في رحابها. فالمحامون هم الفئة الأكثر اطلاعا على واقع العدالة و الأكثر جرأة و استعدادا للتنبيه لمكامن الخلل داخل كل محكمة ، و على مستوى كل هيئة قضائية ، بل هم مستعدون لتقديم أرقام ملفات شابتها شبهات و طبيعة الإخلالات التي عرفتها. و ما على المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلا فتح الباب أمام هؤلاء لتقديم مساعدتهم في خدمة عدالة بلدهم .و بعد ذلك القيام بدوره كاملا و باستقلالية في البحث و التحقيق عبر المفتشية العامة ، في انتظار ترتيب الجزاءات القانونية اللازمة إذا تطلب الأمر ذلك. أما الاستمرار في هذا الدور التقليدي و انتظار انفجار الفضيحة للتدخل فإنه سيساهم في مزيد من التأزيم للوضع القائم و الأكيد أن صورة بلدنا هي المتضرر الأكبر. إذ ليس هناك ما هو أخطر من أن يتابع قاض و محام بتكوين عصابة إجرامية.
أما على مستوى المحاماة، فإن استمرار ثلة من المحامين في العبث بالعدالة من خلال بعض السلوكات الشاذة سواء في علاقاتهم بقضاة مرتشين أو بمعزل عن ذلك، يستدعي إيلاء اهتمام أكبر بهذا الجسم سواء على مستوى تنظيم الولوج للمهنة الذي أصبح يسير في اتجاه المجهول خاصة بعد حجم الأفواج الهائلة التي أصبحت تلتحق بالمهنة في العقد الأخير في غياب أي اهتمام من طرف الدولة بفئة المتمرنين على مستوى التكوين و في غياب أي دعم لهم بعد إنهاء فترة التمرين حيث تجد فئة عريضة منهم نفسها غير قادرة على إثبات وجودها في المهنة نظرا لغياب تكافؤ الفرص و شروط المنافسة المشروعة إلا عبر الانحراف نحو السمسرة و الوساطة لمواجهة صعوبات البداية و تكاليفها، إضافة إلى جنوح المغضوب عليهم من القضاء بسبب فسادهم لولوج المهنة و فرضهم بالغصب عليها من طرف زملائهم القضاة بعد رفضهم من طرف مجالس الهيئات ، أو على مستوى انتخاب الأجهزة المشرفة على تدبير شؤون المهنة و تحكم الطموح الانتخابي في العلاقات المهنية لتصبح عائقا أمام سلوك مسطرة التأديب في مواجهة العابثين لدى بعض المجالس ، أو على مستوى تقوية و دعم دور الأجهزة المهنية في الشق المتعلق بالتأديب إذ هي كثيرة المقررات التأديبية الهادفة لتخليق المهنة التي تم كسرها بعد الطعن فيها لأسباب تطرح تساؤلات كثيرة حول نزاهة القضاء ، رغم أن بعض المجالس – و على قلتها – أبدت عبر تاريخ المهنة رغبة ملحة في تخليق المحاماة. و هو ما يستدعي خلق آلية جديدة للنظر في الطعون ضد مقررات المجالس التأديبية.
خلاصة القول، إن الحديث عن أي إصلاح للعدالة بالتركيز على القضاء فقط و إهمال المحاماة و تغييب المحامين مؤسسات و أفراد سيجعل مآل أي محاولة للإصلاح هو الفشل.
*محامي بهيئة القنيطرة وناشط حقوقي