برعلا زكريا
في مدينة القنيطرة مساء ثاني أيام العيد، من قلب مقهى يطل على شارع محمد الخامس، تلوث بصري وعصبي، بسبب كثرة الألوان، ومحدودية أفق النظر، وضوضاء المدينة، المتمثلة في أصوات الدراجات النارية المزعجة، وضجيج السيارات، وصياح المارة من الراجلين، وهواتف الجيران من الجالسين بذات المقهى.
مشهد سريالي، لوهلة يبدو كأنه عنبر في مستشفى المجانين، مع ذلك، فالممثلون في هذا المقطع المسرحي من الحياة عقلاء، هم أنا وأنت وهؤلاء، كل يغني على ليلاه، هذا يتابع النساء بنظراته، تارة على اليمين وتارة على الشمال، كأنه يتابع نهائي “رولان كاروس” بين “روجر فيديرير” والإسباني “نادال”، وذاك يحرك إبهامه على شاشة الهاتف متنقلا بين مقاطع “التيكتوك” كأنه قرد يقفز بين الأغصان دون توقف.
أما الشارع، فيستمر في عزف سنفونيته الغير متناغمة، مع ذلك، فكل هذه الجلبة تدل على الحياة. فالنبض وحده يدل على خفقان القلب.
يستمر المارة في المرور تواليا على خشبة مسرح المقهى بمختلف الألوان والأعمار والأبدان، وجميعهم يبدو منشغلا، قاصدا في مشيه لوجهة يعلمها.
ومع توالي ارتشافي للقهوة السوداء، يتهيأ لي أنني أكثر هؤلاء فهما للحياة، كون الإنسان كائنا اجتماعيا بامتياز، يعيش بسبب الآخرين، ويميل إلى تشارك المساحات الضيقة مع بني جلدته، بل حتى تبادل الشهيق والزفير معهم.
والأكثر إثارة أن مسرحية المقهى غير منقطعة البث، بل تتجدد كحركة أمواج البحر، لا توقفها إلا قوة قاهرة كحصار كورونا.
وبالعودة لجيران المقهى، أتساءل ما الغاية من تحلقهم حول نفس الطاولة لساعات طوال دون أن يلتفت أحدهم للآخر، ما دام كل واحد منشغلا بهاتفه، وغارقا حتى أذنيه في عالمه الخاص، كأنهم أقمار تدور حول نفس الكوكب، كل في فلك يسبحون.
كما أن حركية الشارع الكثيفة، ونوعية السيارات وكثرتها، ومحيا المارة، كل هذه المعطيات لا تدل على المعاناة من غلاء الأسعار، حتى يكاد المرء يجزم أن الغلاء لا يوجد سوى في “الفيسبوك”.