محمد جناي
” بخًّاخ الربو ”
خلق الله – سبحانه وتعالى – الجهاز التنفسي في الإنسان ، وجعل من مهامه الرئيسية: تنقية ، وتدفئة وترطيب الهواء الداخل إلى الجسم ويتكون الجهاز التنفسي من الرئتين والقفص الصدري ، وأكياس البلورا التي توجد بداخلها الرئتان وجهاز من المجاري الهوائية وكذلك العضلات التي تؤدي إلى زيادة أو نقص في حجم الصدر وأخيرا الأعصاب المتصلة بهذه العضلات.
ومن الأمراض الصدرية الشائعة التي كثيرا ما يتعرض لها الإنسان : الربو؛ وهو مرض مزمن يصيب الشعب الهوائية ؛ فتؤدي إلى انسداد أو تضيق مجرى التنفس،وتتمثل أعراض الربو بصفير النفس وصعوبة في التنفس وتضيق في الصدر وسعال، وفي الحالات الحادة يعاني المريض من صعوبة كبيرة في التنفس وازرقاق في الشفتين والأظافر وانقطاع حاد في التنفس وزيادة في سرعة النبض وتعرق وسعال حاد.
وعلاج الربو يرتكز على وصف الطبيب بعض الأدوية تبعا لقوة الحالة وعمر المريض ، وعلى وجه الخصوص، فإن أدوية الربو ترتكز على أدوية موسعة للشعب ؛ تقوم بفتح مجاري الهواء المسدودة وارتخاء العضلات في الشعب الهوائية ، وهذه العقاقير نجدها معبأة في حلالات هوائية رذاذة، بطريقة يستطيع معها المريض استنشاق المقدار الذي يحتاجه من العقار ، فبضغطة واحدة ينطلق مقدار من الدواء إلى الرئتين، مع الاستعانة بجهاز عبارة عن أنبوب بلاستيكي صغير يتم تركيبه في الرذاذة للمساعدة في توجيه أكبر كمية من العقار من علبة الدواء إلى الرئتين مباشرة حيثما يجب أن تكون دون المرور بالحنجرة.
ومع حلول شهر رمضان ، تكثُر الأسئلة حول حُكم بعض الأدوية والعقاقير الطبية أثناء الصيام مثل بخاخ الربو.
وقبل أن نبدأ في بيان حكم استعمال بخاخ الربو وجب التذكير أنه لا خلاف بين الأوائل والأواخر في أن ماهية الصيام لا تتحقق إلا بالإمساك عن المطعوم والمشروب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، بناء على الدليل القطعي من الكتاب والسنة ، وإنما يجري الخلاف في مسائل مسكوت عنها ، وفي مسائل أخر تعارضت الآثار التي أوردت حكمها، فأما المستجدات – المسكوت عنها – في مجال العلاج الطبي ، فسوف نبين حكمها على ضوء ما توصل إليه العلم الحديث وما أمكن الاطمئنان إليه من مقاصد الشريعة الكلية ، وأما المسائل التي تعارضت بشأن حكمها الآثار ، فنختار لها الحكم الذي قوي سنده ، وإلا فما يدل عليه القياس إذا لم يصادم حقيقة علمية ، وفي نطاق المقاصد الشرعية الكلية.(1)
و لما كان الدواء يدخل من البخاخ إلى الرئتين مباشرة دون المرور بالحنجرة والحلق ، ولما لمْ تَكُن الرئة موصلة للمعدة بأي حال من الأحوال فإن مجرد دخول الأدوية أو العقاقير إلى الرئتين لا يفسد الصوم.(2)
وذلك أن الأصل هو صحة الصيام ، ولا يترك هذا الأصل وهذا اليقين إلا بيقين مثله ، و وصول شيء من هذا الرذاذ وهذه الـمادة إلى الـمعدة أمر مشكوك فيه ؛ لأن الأصل أن هذه الـمادة تذهب إلى الجهاز التنفسي ، فوصول شيء منها إلى الـمعدة أمر مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشكّ، وبالتالي نقول : إن الصيام يبقى صحيحا حتى يثبت عندنا يقين أن جزءا من هذه الـمادة وصل إلى الـمعدة”.(3)
وبالجملة ، هو أن استعمال بخاخ الربو في نهار رمضان ؛ لا يفسد الصوم ، وقد ذهب إليه أكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة، التابعة للمنظمة الإسلامية للعُلومِ الطبية بالكويت والمنعقدة في الرباط عام 1997.
وذلك للآتي:
أولا : أن الرذاذ الذي ينفثه بخاخ الربو عبارة عن هواء ، حدوده الرئتان ومهمته توسيع شرايينها وشعبها الهوائية التي تضيق بالربو ، وهذا الرذاذ لا يصل إلى المعدة ، ولا يشكل غذاء ولا شرابا للمريض.
ثانيا: لأنه ليس بمعنى الأكل ولا الشرب ، فأشبه سحب الدم للتحليل ، والإبر غير المغذية.
ثالثا: لأنه لو دخل شيء من بخاخ الربو إلى المريء، ومن ثم إلى المعدة ؛ فهو قليل جدا، فالعبوة الصغيرة تشتمل على 10 مليلترات من الدواء السائل ، وهذه الكمية وضعت لمئتي بخة ، فالبخة الواحدة تستغرق نصف عشر مليلتر، وهذا شيء يسير جدا ، أي الذي يصل إلى الـمعدة من بخاخ الربو لا يقارن أبدا بما يصل إليها من الـمضمضة.
رابعا: القياس على استعمال السّواك.(4)
هوامش:
(1) :مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية ، د.محمد جبر الألفي،مجلة الحكمة ، العدد الرابع عشر ،شوال 1418،(ص : 98 ).
(2) : النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي بالصيام ، تأليف أسامة بن أحمد بن يوسف الخلاوي ، دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع ،(صفحات : 198 – 199 ).
(3) : مقال للدكتور عبدالله بن حمد السكاكر ، منشور بموقع الدرر السنية، بعنوان : ” فِقْه نَوازِلِ الصِّيام” .
(4): الدرر السنية ، الموسوعة الفقهية، كتاب الصوم ، الباب الرابع: مفسدات الصيام وما يكره للصائم وما يباح له ، الفصل الثاني: بعض المسائل المعاصرة وما يفسد الصوم منها وما لا يفسده ، المبحث الثاني: بَخَّاخُ الرَّبْو