بقلم: *محمد إكيج*
في سياق الحديث الواسع عن “النية” ومفعولها السحري في الإنجاز الكروي المبهر وفي إمكانية وضرورة امتدادها للفعل في باقي المجالات… وفي سياق النقاش المجتمعي المفتوح حول مدونة الأسرة لرصد بعض مكامن الخلل والقصور التي تحتاج إلى تعديل من أجل بلوغ نجاعة قضائية أسرية تحفظ بيضة الأسرة المغربية من مزيد تصدعات واهتزازات، وفي سياق أن حق التقاضي في جميع مجالات الحياة مكفول بنص دستور 2011 في الفصل 118: “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون”… في سياق هذا وذاك لابد من لفت الانتباه إلى مسألة خطيرة تؤثر بشكل خفي وجلي في ذات الآن في مسارات التقاضي -خاصة في المجال الأسري-إنها مسألة “التقاضي بسوء نية” في النزاعات الأسرية.. ومظاهر ذلك كثيرة منها:
_ أن تجد الزوجة ترفع دعوى النفقة وتزعم أن زوجها ممسك لا ينفق عليها وتستعد لأداء أغلظ الأيمان على ذلك!!! مع أنها تعيش معه تحت سقف بيت الزوجية الواحد!!!
_وفي المقابل تجد الزوج يرفع دعوى الرجوع لبيت الزوجية يزعم فيها أن زوجته غادرت بيت الزوجية طواعية، رغم أنه هو من طردها أو ضيق عليها تضييقا حتى أجبرها على المغادرة!!! ثم إن نيته ليست هو الرجوع في حد ذاته ولكن بغرض إيقاف نفقتها عند امتناعها عن الرجوع!!! أو بغرض إيهام القصاء بأنه “حسن النية” في حال إقدامه على الطلاق أو التطليق!!
– ومن ذلك أيضا أن تعلن الزوجة استعدادها لتنفيذ حكم الرجوع إلى بيت الزوجية أمام المكلف بالتنفيذ وهي تضمر في نسفها نية نقض ذلك الرجوع بمجرد تحرير محرر التنفيذ!! فيكون الزوج مضطرا إلى سلوك ذات المسطرة لاستصدار حكم جديد يقضي بالرجوع مرة ثانية وربما ثالثة، وهكذا دواليك يتم الدوران في دائرة مغلقة ويهدر الزمن والجهد القضائي في دعاوى عبثية سببها الرئيس تقاضي بعض أطرافها بسوء نية..
_ ومن ذلك أيضا تهرب الزوج أو الزوجة في مساطر الطلاق والتطليق والنفقة وغيرها من التوصل بالاستدعاء بنية إطالة أمد الدعوى وإرهاق المدعي أو المدعى عليه بـ”التجرجير” أمام القضاء كما يسمع مرارا من أمثال هؤلاء!!!
_ ومن صورها أيضا أن يدلي الزوج طالب الطلاق أو التطليق بما يثبت عسره أو محدودية موارده المادية -خاصة إن كان يعمل في قطاع خاص أو عمل حر غير مهيكل- هروبا من أداء المستحقات المالية التي تناسب وضعيته المادية!! وفي المقابل قد تجد ذات الزوج إذا سلك مسطرة تعدد الزوجات يدلي بوثائق ومستندات تثبت يسره وقدرته على إعالة زوجة ثانية وربما حتى ثالثة ورابعة!!!
_ ومن ذلك أيضا الامتناع عن تسليم محضون أو التمكين من زيارته إلا بحضور مفوض قضائي عند كل زيارة… بدعوى الخوف على المحضون مع إخفاء سوء نية إرهاق من له الحق في الزيارة بتكاليف مادية زائدة!!!
فهذه الصور وغيرها كثير يقف القضاء عاجزا أمامها لأنها تتعلق بدواخل الأفراد وبواطنهم التي لا يعلمها إلا الله تعالى.. فهي سلوكيات ملتوية تنقض القوانين ولو كانت غاية في الإحكام، وتخلخل المساطر ولو كانت غاية في الدقة، وتهضم الحقوق ولو كانت غاية في الاستحقاق، وتضلل العدالة ولو كان قضاتها غاية في النباهة!!! وهي أيضا سلوكيات لا تنحصر في فئة مجتمعية دون أخرى، بل هي شائعة في جميع الشرائح المجتمعية غنيها وفقيرها ومتوسطها، مثقفها وأميها أو نصف متعلمها، مدنيها وقرويها… فقد غدت -للأسف-ثقافة مجتمعية متداولة ومستساغة طولا وعرضا، بل ويتناصح بها المعنيون بأمرها فيما بينهم حتى باتت تدخل عندهم في باب “الدين النصيحة”!!! ولذا فلا يمكن لهذه المسألة أن تعالج بالتعديلات الشكلية في النصوص والمساطر وحدها، ولكن بإعادة الاعتبار لقيم الصدق والنبل والصفاء والشهامة في جميع مستويات العلاقات الأسرية والإيمان بأن الحقوق تُدْركُ بالحق وليس بالباطل والتضليل.