بقلم: *ذ. محمد جناي*
لقد فضل الله شهر رمضان بفضائل كثيرة، لذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبشر أصحابه – رضوان الله عليهم – بقدومه ، وكان يقول:” قد جاءكم رمضان شهر مبارك ، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة ويغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم “، قال ابن رجب رحمه الله في التعليق على هذا الحديث: ” هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان ، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران ، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان “،فبلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليها .
الصوم من أفضل الطاعات وأجل القربات ، كيف لا وهو الركن الرابع من أركان الإسلام التي بني عليها وقامت دعائمه ، وللصيام خصائص اختص بها دون غيره من الأعمال ومن أشرفها إضافته لله جل وعلا حيث يقول في الحديث القدسي :” الصوم لي وأنا أجزي به “، وكفى بهذه الإضافة شرفا وكرما كما شرف وكرم البيت الحرام بإضافته إليه سبحانه في قوله :”وَطَهِّرْ بَيْتِيَ”(الحج :24) .
وأنعم الله جل جلاله على عباده بمواسم من الخيرات ، يحصلون فيها بسبب الأعمال الصالحة القليلة على الثواب الكثير من عند الله عز وجل ، ومن نعمه سبحانه أيضا أن سخر الله لهم من الأسباب ما يعينهم على أدائها على الوجه الأكمل لها، وشهر رمضان من أعظم تلك المواسم الفاضلة.
1. الاستعداد لرمضان بتجديد التوبة
سنستقبل رمضان بعد أيام ، ليعيد للقلوب صفاءها، وللنفوس إشراقها ، وللضمائر نقاءها، بعدما تكدرت بفتن الحياة ، وزحام الدنيا ، وتلوثت بالنزوات العابرة ، والشهوات العارمة ،فجاء رمضان ليبعثها من رقاد و يوقظها من سبات ، قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
فالحياة ستنقضي بأفراحها وأحزانها ،وتنتهي الأعمار على طولها وقصرها، فالدنيا مهما طالت فهي قصيرة والليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال لابد من دخول القبر ، فتصبح الدنيا ذكريات، وعندئذ يعود الناس إلى ربهم بعدما أمضوا فترة الامتحان على ظهر هذه الأرض ، كما قال الله تعالى :” كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَۖ فَرِيقاً هَد۪يٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ اُ۬لضَّلَٰلَةُۖ إِنَّهُمُ اُ۪تَّخَذُواْ اُ۬لشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اِ۬للَّهِ وَيَحْسِبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَۖ (الأعراف: 28).
2 . الاستعداد لرمضان بإصلاح القلوب
يستقبل شهر رمضان بتهيئة القلب وإصلاحه، فإن أعظم مطلب في هذا الشهر هو إصلاح القلوب ، فالقلب الذي مازال مقيما على المعصية يفوته خير عظيم ، فرمضان شهر القرآن ، والقلوب هي أوعية القرآن ، ومستقر الإيمان ، فكيف بوعاء لوث بالآثام كيف يتأثر بالقرآن ، قال الحسن البصري – رحمه الله – :” لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم “، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”.
3 . الاستعداد لرمضان بإزالة الشحناء والخصومات
يستقبل شهر رمضان بتهيئة وتزكية النفوس وتصفيتها وتنقيتها من الضغائن والأحقاد التي خلخلت العرى ، وأنهكت القوى، ومزقت المسلمين شر ممزق ،فالذي يطل عليه رمضان وينزل بساحته، وهو عاق لوالديه قاطع لأرحامه، هاجر لإخوانه،أفعاله قطيعة ، ودوره في المجتمع النميمة ، أقواله سباب وفسق وزور وبهتان، فهيهات أن يستفيد من رمضان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه “، فالصيام الحقيقي أن تصوم الجوارح عن كل ما حرم الله ، من غيبة ونميمة وسب وأذى ، وسرقة وخيانة وغيرها.
4 . الاستعداد لرمضان بالإكثار من الاستغفار
الاستغفار هو عدة المؤمن ودأب الأنبياء والصالحين ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً”. رواه البخاري
5 . الاستعداد لرمضان بالمحافظة على الصلوات
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: “مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ”،
الصلاة أمر الله بالمحافظة عليها في كل حال ،حضرا وسفرا، سلما وحربا،صحة ومرضا ،فقال الله تعالى :” حَٰفِظُواْ عَلَي اَ۬لصَّلَوَٰتِ وَالصَّلَوٰةِ اِ۬لْوُسْط۪يٰ وَقُومُواْ لِلهِ قَٰنِتِينَۖ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً اَوْ رُكْبَاناٗۖ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَۖ “.(البقرة :236-237)”، وعن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: كانتْ بي بَواسيرُ، فسأَلتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الصَّلاةِ، فقال: “صَلِّ قائمًا، فإنْ لم تستَطِع فقاعدًا، فإنْ لم تستَطِعْ فعلى جَنبٍ “.
لهذا كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخيرة لأُمته، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال : كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم :” الصَّلاةَ وما مَلَكتْ أَيمانُكم “.
6 . الاستعداد لرمضان بمساعدة الآخرين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”.
شهر رمضان شهر الجود والكرم والإحسان ، والجود من معالي الأخلاق ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة ، يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ” .
فحث الإسلام على التحلي بالصفات الطيبة والجميلة، التي يحبها الله سبحانه ويرضاها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “إن الله كريم”، والكريم اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، وهو يتضمن صفة الكرم على ما يليق بكمال الله تعالى، “يحب الكرماء”، أي: يحب عباده الكرماء الذين يكرمون غيرهم من عباد الله ، وهو سبحانه “جواد”، أي : كثير الجود والعطاء لعباده ،فيفيض عليهم بالرحمات والغفران والأرزاق ، وغير ذلك من النعم التي لا تعد ، “يحب الجودة “، وهم أصحاب البذل والإنفاق ، والذين يتصفون بسهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق ، وفي ذلك دلالة على أن الله سيثيب أصحاب تلك الصفات بأفضل مما أنفقوا وبذلوه لغيرهم، ويحب سبحانه وتعالى “معالي الأخلاق” وهي الأخلاق عالية الشأن، ورفيعة القدر التي ترفع قدر صاحبها، مثل: عزة الإيمان وقوته، والامتثال لله والرسول ، “ويكره سفسافها” من الأخلاق رديئها وحقيرها، والتوافه التي تنبئ عن الخسة والدناءة، وعدم المروءة، مثل: الإصرارِ على الذنوب، والغيبة و النميمة ، وتدخل المرء فيما لا يعنيه ، وليست صفات الله كصفات الخلق، فإن الله عز وجل ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، ولكن من تخلق بشيء من صفاته ومعاني أسمائه الحسنى، كان محبوبا له مقربا عنده، وفي الحديث: إثبات صفة المحبة لله تعالى، وبيان بعض أسباب نيل محبته سبحانه ، وفيه: الإرشاد إلى الحرص على فعل معالي الأُمور في الدين والحياة ، والابتعاد عن الأفعال الدنيئة.
قال الشاعر أحمد شوقي :” الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع ، وخشوع لله وخضوع ، لكل فريضة حكمة ، وهذا الحكم ظاهره العذاب ، وباطنه فيه الرحمة ، يستثير الشفقة ، ويحض على الصدقة ويسن خلال البر ،حتى إذا جاع من ألف الشبع ، عرف المترف أسباب المتع ، عرف الحرمان كيف يقع ، وألم الجوع إذا لذع”.
7 . الاستعداد لرمضان بالصحبة الصالحة
فالمرء مولع بمحاكاة من حوله ، شديد التأثر بمن يصاحبه ، ومجالستهم تكسب المرء الصلاح والتقوى، والاستنكاف عنهم تنكب عن الصراط المستقيم،قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119] وقال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” اِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ اِمَّا اَنْ يُحْذِيَكَ وَاِمَّا اَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَاِمَّا اَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ اِمَّا اَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَاِمَّا اَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً “. متفق عليه
قال أبو حاتم:”العاقل يلزم صحبة الأخيار، ويفارق صحبة الأشرار، لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها، وصحبة الأشرار سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار، لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب ،لئلا يكون مريبًا، فكما أنَّ صحبة الأخيار تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر”.
قال الشاعر:
عليك بإخوان الثقات فإنهم
قليل فَصِلْهم دون من كنت تصحب
ونفسك أكرمها وصنها فإنها
متى ما تجالس سفلة الناس تغضب
فالصداقة المتينة، والصحبة الصالحة، لا تحل في نفس إلا هذبت أخلاقها الذميمة،فإذا كان الأمر كذلك،فما أحرى بذلك اللب أن يبحث عن إخوان ثقات ، حتى يعينوه على كل خير، ويقصروه عن كل شر.
8 . الاستعداد لرمضان بلزوم الاستقامة
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ -قَالَ: ” قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ “.
أمر الإسلام بالتوسط في كل الأمور ، كما أمر بعمل الطاعات بقدر الاستطاعة دون تكلف أو تشدد ،فعن ثوبان رضي الله عَنه: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم:” استَقيموا ولَن تُحصوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ”، فالحديث يأمر بالاستقامة على الطريق المستقيم طريق الهدى، وروي في تفسيرِ قوله تعالى: ” إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ” ، أنَّ الاستقامة هي الإقامة على قول : لا إلهَ إلَّا اللهُ، بِإيفاء حقه، وأداء أوامره، والانتهاء عما نهى عنه، والرضا بما يكون منه، وفي الحديث : الحث على الاستقامة على الطريق المستقيم معَ طلب العون من الله.
9 . الاستعداد لرمضان بالإكثار من النوافل
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ”.
10 . الاستعداد لرمضان بتنظيم الوقت
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ”.
11 . الاستعداد لرمضان بالتسامح في البيع والشراء
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»، لقد حرص الشرع الحكيم على إقامة العلاقات الطيبة بين المسلمين في تعاملاتهم ،فيها التكافل والترابط والمحبة والتعاون ، و في هذا الحديث دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن تحلى بخلق السماحة ، وهي: التسهيل والتنازل والتغاضي في الأُمور ، وعدم الشدة والتصلب، وذكر ثلاثة أحوال : إذا كان بائعا، فلا يتشدد في رفع السعر ويصر على ذلك، بل يتجاوز عن بعض حقه،وإذا كان مشتريا، فلا يبخس ويقلل من قيمة البضاعة ويصر على ذلك، وإذا طالب بقضاء الديون التي له، فلا يشدد على الفقير والمحتاج، بل يطالبه برفق ولطف، وينظر المعسر.
12 . الاستعداد لرمضان بطلب العون والتوفيق من الله
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
15 . الاستعداد لرمضان بإتقان العمل
عَنْ أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ». مسند أبي يعلى
وختاما ، ينقسم الناس في استقبال رمضان والاستعداد له إلى فريقين،فريق اتخذ رمضان موسما لطاعة الله، ومضاعفة الأجور ، والازدياد من الخير ، صاموا نهاره فأحسنوا الصيام ، وقاموا ليله فأحسنوا القيام ، وبين هذا وذاك تلاوة للقرآن ، وذكر واستغفار، وندم وبكاء ، خوف ورجاء ، أولئك هم الذين انتفعوا برمضان حق الانتفاع.
والفريق الآخر ، لم يكن لهم أسوة ولا قدوة إلا النفس والهوى ، والرغبات التي لا تنتهي والنزوات التي لا تنقضي والشهوات التي لا تقف عند حد ، فهؤلاء لم ينتفعوا برمضان ولم يستفيدوا بما فيه من صيام وقيام ! لماذا ؟ لأن الله جعل الصيام للقلب والروح فجعلوه للبطن والمعدة ، جعله الله للحلم والصبر ، فجعلوه للغضب والبطش، جعله الله للسكينة والوقار ، فجعلوه شهر السباب والشجار ، جعله الله ليغيروا فيه من صفات أنفسهم ، فما غيروا إلا مواعيد أكلهم وشربهم وشهواتهم.
وفقنا الله وإياكم لكل خير وطاعة وبر ، وصرف عنا وإياكم كل سوء وشر إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه.
* خرّيج جامعة القرويين ، كلية أصول الدين بتطوان ، خرّيج برنامج صناعة المُحاور (الدفعة السادسة )، أكاديمية صناعة المحاور .
هوامش :
– واحات الإيمان في ظلال شهر رمضان (من مجلدين) ، تأليف خالد بن حسين عبد الرحمن ،الناشر : مكتبة الرشد للنشر والتوزيع – الرياض – الطبعة الأولى :2001.