علال مليوة
منذ أكثر من عقد من الزمن، تعاني عاصمة الغرب القنيطرة من ظاهرة التلوث، وتحديدا مما يعرف بالغبار الأسود. وزاد الأمر استفحالا، في الآونة الأخيرة، حيث اعتاد ساكنة القنيطرة على تعرض أسطح منازلهم وشرفاتها إلى سخام دقيق مكون من مسحوق أسود يلوث البنايات وواجهاتها، ويتعدى ذلك إلى انعكاساته الصحية وخطر الإصابة بأمراض الحساسية والعيون.
وأجمع عدد من المهتمين والمتتبعين للشان المحلي على خطورة هده المعضلة وانعكاساتها السلبية على الصحة العامة والتنمية ومجال الإستثمار بصفة عامة. وتتضارب الآراء بين المؤسسات التي تراقب جودة الهواء وأصحاب القراروالجمعيات حول مستوى تلوث الهواء وأسبابه. غير أن أصابع الإتهام، خصوصا من جانب الساكنة والمجتمع المدني، توجه إلى وحدة إنتاج الكهرباء التابعة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. وحسب المصادر، فإن الوحدة، حين كانت تشتغل بمادة الغاز وخلال ساعات الليل فلا شيء يذكر عن الغبار الأسود، لكن تحولها الى استعمال الفيول الثقيل وتشغيلها في كل الأوقات زاد من المقدوفات الغازية من مدخنات المحطة التي انتقلت من اثنين إلى خمسة.
وتضيف المصادر، أن توقف خط أنبوب الغاز المغاربي وتزايد الحاجة الى الطاقة الكهربائية لتلبية متطلبات التصنيع والتوسع الحضري التي تشهدهما عاصمة الغرب أجبرا المحطة على استعمال الفيول وتشغيل المحطة بشكل دائم. وهو ما ساهم ويساهم في انتشار الغبار الأسود ودفع الساكنة إلى الإحتجاج عدة مرات ورفع شعار “باركا راكم خنقتونا”.
هذا وقد كان القطاع الحكومي الوصي أكد في يناير الماضي بأن المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث قام بتنسيق مع السلطات المحلية بتعبئة وحدة متنقلة لرصد جودة الهواء مجهزة بمعدات قياس خاصة بالغبار الأسود، وحسب نتائج تقييم جودة الهواء لسنة 2021 بمدينة القنيطرة، فقد تم تصنيف مؤشر الجودة خلال الأشهر العشرة الأولى لنفس السنة بأنه “جيد” وفق ما ورد في بلاغه آنذاك، والحال أن الواقع الملموس يُظهر أن الغبار الأسود حقيقة لا غبار عليها، كما لا ينبغي الاستهانة بأضراره الصحية.
وفي إطار البحث عن الحلول الممكنة لهذه المعضلة، أفادنا الدكتور بوعزة الخراطي، رئيس جمعية حماية المستهلك، أن المحطة مرفق حيوي لعاصمة الغرب التي أضحت القوة الاقتصادية الثانية بعد الدار البيضاء نظرا للبيئة التي توفرها لجذب الإستثمار، لكن هده الدينامية لا ينبغي أن تكون على حساب الصحة ومجال العيش الملائم، وأضاف أنه نظرا لعدم إمكانية إبعاد المحطة عن المدينة، فإن الحل هو استعمال الطاقة المتجددة كبديل للفيول. وفي انتظار ذلك، يقول المتحدث نفسه، فإنه من المجدي نهج التدبير المعقلن لإنتاج الكهرباء بتخفيض الإنتاج في الأوقات العادية لاستهلاك الكهرباء، ورفعه في وقت الذروة. لكن بالنسبة للساكنة والجمعيات المهتمة، فإن مطلبها يتركز حول ضرورة إيجاد حلول عملية واتخاذ إجراءات تحد من التلوث والانبعاثات الغازية، ليس فقط في وحدة انتاج الكهرباء بل لدى مختلف المؤسسات الصناعية التي تنتشر في المدينة وضواحيها، ومراقبة مدى احترامها لتدابير حماية البيئة، فالضرر الذي ينجم عن التلوث لا يلحق فقط الصحة العامة، بل يؤثر أيضا على تدفق الإستثمارات، فالدول التي تستقبل المنتوج المغربي تضع عدة معايير تخص الجودة والسلامة منها احترام البيئة.