ماذا يعني الاتفاق في أبسط صوره وأبهى تجلياته غير نهاية التجاذب والتضارب في المصالح بين طرفين أو أكثر؟ ثم هل كل اتفاق وكيفما كانت شروطه ومخرجاته هو بقادر على حسم أي خلاف كامن أو طارئ ودرء أسبابه؟
عادة ما يبدأ الاتفاق بصيغه المعهودة بدفن البنود القديمة التي لم تعد ذات موضوع، وتعزيز تلك التي صمدت أمام هزات الاختبار والاستعمال، بعده نكون على موعد لاستئناف جديد لمجريات الأمور بنفس وبرنامج مغايرين. لكن حالتنا مع الاتفاق المرحلي الموقع قبل أشهر بين المركزيات النقابية ووزارة التربية الوطنية لها طعم آخر غير الذي كنا نمني النفس به، اتفاق مرحلي أي وسيطي وغير نهائي يحسم في النقائص كلها ويطوي صفحة التناقضات والاختلالات المزمنة السابقة على وجوده. هو كذلك اتفاق جاء بناء على حسن النية في السير قدما في التنفيذ ،لكن ليس فيه من البراءة ما يجعلنا نسلم بسهولة بمخرجاته.
دعنا الآن نطلع على فحوى هذا الاتفاق، الذي طالما تم التهليل له إعلاميا منذ إعلانه. إنه اتفاق مرحلي يراهن عليه الفرقاء لأن يفضي إلى آفاق مستقبلية في مسار الحوار الاجتماعي، مع الإشارة إلى مواصلة مناقشة النظام الأساسي الجديد الذي طال انتظاره، والوعد بتنزيله في غضون بضعة أشهر. نظام قيل عنه أنه محفز، شامل وموحد. لكن ما يحز في النفس حقا، هو كيف كان للحكومة أن تفرض هذا الخيار المعاكس للمنطق وكيف اتصفت بهذا العمى التدبيري الذي اشتركت فيه مع النقابات المحاورة بجعلهم يسلمون بدفع ملفات غير ذات أولوية ولا أسبقية زمنية إلى الواجهة، مقابل استبعاد ملف جوهري استهلك زمان تنفيذه منذ زمان وبتأجيلات واهية. إنه ملف اتفاق 26 أبريل الذي مر عليه أكثر من عقد من الزمن. وهو اتفاق يقضي، كما نعلم، بإحداث درجة خارج السلم وتعميمها على كافة موظفي القطاع، أساتذة ابتدائي، إعدادي، ملحقين تربويين، مع تضمين هذا المرسوم في النظام الأساسي المرتقب، لكن لا شيء رشح من كل هذا رغم الاجتماعات الماراطونية بين الفرقاء بسبب الوعد الذي قطعوه على أنفسهم بعدم الإفصاح عن كل ما جرى ويجري. كل ما تم الإسراع بالكشف عنه وتداوله إعلاميا هو الملفات المطلبية التي قيل أنها ذات أولوية، علما أن الجميع كان قد التزم في وقت سابق بأن جميع الملفات هي ذات أولوية.
هذه هي إذن الملفات التي تم وضعها على سكة التنفيذ في الاتفاق المرحلي :
* ملف الإدارة التربوية.
* ملف المستشارين في التوجيه والتخطيط.
* أساتذة الإبتدائي والإعدادي المكلفين خارج سلكهم الأصلي.
* أطر التدريس الحاصلين على شهادات عليا.
* الحاصلين على شهادة الدكتوراه.
فأما ملف الإدارة التربوية ففيه الكثير مما يقال مع إحداث إطار جديد إسمه متصرف تربوي، في الوقت الذي تعيش فيه المنظومة ترفا تدبيريا وخصاصا مهولا على مستوى بنيتها التربوية، فهل استشعرت الوزارة عيبا في التدبير مع صيغة الإسناد القديمة حتى قامت بهذه الخطوة وخرجت أفواجا متتالية منهم بإطار جديد، وتركت الباقي من الإسناديين في حالة إلحاق وانتظارية؟..فالصواب هو الإبقاء على الإسناد الذي لم يظهر فيه أي خلل بحفاظه على سلاسة حركية الموظفين داخل كل سلك تعليمي، بدل خلق شرخ داخل المنظومة بتعدد الألقاب والمواقع . وأما سلك المستشارين فليس فيه ما يعاب مع إعادة فتح المسلك بشروط جديدة دون التفريط في أي مكتسب، وأما الحاصلون على شهادات عليا فقد أنصفهم الحظ بإتاحة فرصة تقدمهم في مضمار التحصيل العلمي، فماذا ينتظرون من الوزارة؟ أن تنصفهم…؟ ولكن على أي أساس؟ على أساس الكفاءة أو على أساس المكافأة ؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يحير كل ذي طموح مشروع.
ويبقى هذا الاتفاق “المُرّ- حلي” مرّ على البعض حلْو على البعض الأخر، ومهما تعددت مسوغاته وتحينت مواعيده سيظل مصدر استفزاز لشعور أغلبية مغبونة هي هيئة التدريس التي تعتبر قطب العملية برمتها، لكن لا تلوي شيء اسمه حدب واهتمام الوزارة الوصية.
*عضو المكتب الوطني للتنسيقية الوطنية للأساتذة المقصيين من المباريات