هذا سؤال يؤرق بال الكثيرين ولا يجدون له إجابة تشفي الغليل في الغالب، والجواب في نظري يكمن في أن غالب علاقاتنا الاجتماعية سطحية ومزاجية. فهي مبنية على الظاهر من الأحوال ومتوقفة على الأمزجة المتقلبة للأشخاص. فالسطحية تجعل المرء يصدر أحكاما قطعية في حق صديق او قريب بناء على أمور غير معقولة ولا موضوعية، مثل كلام قيل عنه، أو سلوك عفوي صدر منه، أو سهو أو خطأ غير مقصود. والشخص السطحي، في مثل هذه الحالات، لا يكلف نفسه عناء غربلة ما يصله عن أشخاص آخرين تربطه بهم صلات القرابة أو الصداقة او الزمالة، بل يكتفي بما سمعه أو شاهده أو تخيل له ليبني موقفا قطعيا من ذاك الشخص. مثل هذه المواقف غالبا ما تكون مجانبة للصواب تماما.
إن ما يزيد الأمر تعقيدا هو حينما تصادف مثل هذه المواقف حالة مزاجية يكون فيها الشخص الذي يتبناها ليس على ما يرام، أو العكس. فتصبح تلك المواقف من الأقرباء والصحاب نهائية أو شبه نهائية، مع ما ينتج من ذلك من أذى وقطيعة وصعوبة رأب الصدع لاحقا.
بما أن مجتمعنا مزاجي وسطحي إلى أقصى حد، مثل جميع الشعوب المتوسطية تقريبا، فلا غرابة أن تكون علاقاتنا ببعضنا البعض أوهن من بيوت العناكب. إذ لا أحد يكلف نفسه عناء محاولة فهم عمق الأشخاص المحيطين به، ولا أحد يلتمس لهم الأعذار. الكل يتصيد هفوات واخطاء الكل لنشرع في جلد بعضنا البعض في منتديات الوشاية والنميمة، التي تولد كل هذا الكم من الكراهية والأحقاد والبغضاء داخل مجتمعنا.
السطحية أيضا تجعل علاقاتنا الإجتماعية مبنية أساسا على المجاملات والمساحيق والأقنعة والمصالح الصغيرة والعابرة، بدلا من التعاون والتآزر والمحبة الصادقة، الراقية والمجردة. وبما أن حبل المجاملات قصير وهش، والمساحيق مهما كانت جودتها عالية مصيرها الزوال، فإن العلاقات القائمة على هذا الأساس تكون مثل السراب، مهددة بالانهيار والاندثار في أي لحظة ومع أول هبة ريح.
المؤكد أيضا هو أن هذا النوع من العلاقات السطحية والقائمة على المجاملات، والمساحيق، والمقايضة، والتقلبات المزاجية لا طائلة منها، ولا تحقق أي نوع من الاشباع النفسي والعاطفي، وبالتالي يسهل على كل الأطراف التخلص منها وقطعها بلا أسف ولا حرج. بل في الغالب ما يكون في إنهائها راحة للنفس، لأن التزلف والتصنع في العلاقات الإنسانية مرهق جدا لها.
*فاعل جمعوي